نشرت صحيفة هاآرتس مقالا للكاتب «Zvi Bar'el» حول أهم التحديات التى تواجه المملكة العربية السعودية فى أن تصبح قوى كبرى ــ فى النظام الإقليمي ــ قادرة على تحقيق الاكتفاء الذاتى من الإنتاج العسكرى والتى تتمثل فى نقص قوة بشرية مدربة ومعرفة تكنولوجية متقدمة.
بداية ذكر الكاتب أن ولى العهد السعودى الأمير محمد بن سلمان ــ قبل عام ونصف العام ــ قام بتعيين «أندرياس شوير» رئيسا تنفيذيا للشركة العربية السعودية للصناعات العسكرية. وهذا الكيان الوطنى الجديد فى قطاع الصناعات العسكرية بالمملكة العربية السعودية مسئول عن جميع عمليات شراء الأسلحة وتطويرها، كما أن هدفه يكمن فى توطين ما يزيد على 50% من الإنفاق العسكرى بحلول 2030 لتعزيز اكتفاء المملكة العربية السعودية ذاتيا.
ويضيف الكاتب: «أن تحقيق مثل هذا الهدف سيوفر بشكل مباشر 40,000 وظيفة ونحو 100,000 وظيفة أخرى بشكل غير مباشر، كما سيضع المملكة العربية السعودية ضمن أكبر 25 منتجا للأسلحة فى العالم. هذا الهدف هو جزء من رؤية المملكة 2030 والتى تهدف إلى تنويع مصادر الإيرادات فى المملكة وتقليل الاعتماد على النفط، وربما أيضا تقليل الاعتماد العسكرى على واردات الأسلحة من الدول الغربية. ومن الجدير بالذكر أن هذه الرؤية تحظى بدعم مالى كبير، نحو 50 مليار دولار سنويا من ميزانية الدفاع السعودية». لكن هذا التمويل الضخم ليس سوى جزء من الحل، على حد قول الكاتب. وفى سياق متصل، يقول «شوير»: «إن استراتيجية المشتريات العسكرية فى المملكة العربية السعودية يجب أن تتحول من علاقة بائع ومشترٍ vendor ــ client relationship إلى شراكة مع موردين عالميين. ومن ثم، سيتطلب ذلك من الشركات الأجنبية شراء منتجات سعودية محلية بقيمة 50 %، وأن تعمل على نقل تكنولوجيا التصنيع وتدريب العمال المحليين وبناء خطوط إنتاج فى المملكة العربية السعودية كشرط للمبيعات. ويقول الكاتب: «هنا تظهر العقبات أمام تحقيق الحلم والتى تتمثل فى نقص قوة بشرية مدربة ومعرفة تكنولوجية متقدمة». فالمملكة العربية السعودية تعانى من نقص مزمن فى القوى العاملة التكنولوجية التى ستتمكن من بناء صناعة محلية متطورة فى السنوات القادمة.
ويستطرد الكاتب قائلا: «إن تركيا وإيران استطاعا تحويل قطاع الصناعات الدفاعية إلى مصدر دخل قوى، حيث الدولة تعتمد بشكل كبير على الإنتاج المحلى، كما هو الحال فى إيران، فضلا عن تحقيق الربح. لم يكن أمام إيران من خيار سوى تطوير قدراتها التكنولوجية الخاصة بها، والتى أعطتها القدرة على تطوير الصواريخ الباليستية، والمركبات الجوية التى تعمل عن بعد، والسفن الحربية، بالإضافة إلى برنامجها النووى».
أما بالنسبة لتركيا، فهى تعتبر مثالا على الدولة التى قررت تغيير اتجاهها فأنتجت جزءا كبيرا من احتياجاتها العسكرية بعد أن اعتمدت على التكنولوجيا والمشتريات الأجنبية. ففى العام الماضى، وصلت قيمة الصادرات التركية من الأسلحة إلى مليارى دولار. ولقد زادت قيمة صادرات الأسلحة على 175 مليون دولار فى العام الحالى، أى أنها زادت بنسبة 64٪ مقارنة بالعام الماضى.
وأكد الكاتب أن الفرق بين الرؤية السعودية والقدرة التركية كبير. قد لا تكون تركيا قادرة على منافسة الأموال الضخمة التى تنفقها المملكة العربية السعودية، لكن العمال الأتراك من ذوى الخبرة والمهارة والمتعلمين يمنحونها ميزة لا تستطيع معظم الدول العربية توفيرها. كما تمتلك تركيا أسواقا فى الغرب والشرق الأقصى غير مفتوحة لإيران، فضلا عن حصولها على خبرة عسكرية على الأرض وبذلك تستطيع أن تتعلم منها الكثير من الدروس، وبالتالى فهى تتشابه مع تجربة إسرائيل العسكرية. ليست تركيا هى الصورة المثالية لقوة عسكرية، ولكنها اتخذت خطوة كبيرة إلى الأمام فى إنتاج أسلحة متقدمة على مدى العقد الماضى، ما يدل على تفكيرها الاستراتيجى طويل الأجل. ولكن تركيا تعانى من مشكلة كبيرة تتعلق بالعمالة الماهرة ألا وهى «نزيف الأدمغة» أو «هجرة العقول»، أى أن هناك هجرة كبيرة للمهندسين الأتراك إلى الدول الغربية ما يؤثر سلبا على الصناعة العسكرية.
يختتم الكاتب حديثه قائلا: «على عكس الطلاب السعوديين، فإن تركيا توفر جميع التدريبات اللازمة فى الجامعات والمعاهد المحلية للشباب. كما تتمتع أيضا بميزة القدرة على استيراد المعرفة، لكونها عضوا فى حلف الناتو. وعلى عكس المملكة العربية السعودية، لا تحتاج إلى استئجار طيارين أجانب. وبالتالى ستحتاج المملكة العربية السعودية لسنوات أخرى لتساوى تركيا فى مجال الإنتاج الدفاعى، ولكن على الأقل يمكنها الاستمرار فى المضى قدما حتى تحقق ما تحتاجه».
إعداد: زينب حسنى عزالدين
النص الأصلى: من هنا