•• فى ندوته بالجزيرة، تحدث إبراهيم المعلم عن الأهلى كقلعة رياضية وطنية. وتحدث عن الفارق بين السياسة وبين الوطنية. فعندما يتأسس الأهلى فى خضم حركة شعبية مناهضة للاستعمار الإنجليزى، بقيادة مصطفى كامل وعمر لطفى بك، فتلك وطنية وليست سياسة. والأمر نفسه حين يتطوع شباب النادى فى المقاومة المصرية عام 1956 فى مواجهة العدوان الثلاثى، فتلك وطنية وليست سياسة. وبالمثل فى حربى 67 و73.
فلم يكن اشتراك أعضاء الأهلى فى الحربين بصور مباشرة أو غير مباشرة عملا بالسياسة، وإنما دفعا بالشعور الوطنى.
•• هذا صحيح بدرجة كبيرة، فلم تؤثر الحركة السياسية والحزبية على الأهلى عند تأسيسه مثلا، وقد كان فى مصر ثلاثة أحزاب رئيسية، فى مقدمتها «الحزب الوطنى» الذى أسسه مصطفى كامل فى أكتوبر 1907، و«حزب الأمة» الذى تشكل من الأعيان المصريين، و«حزب الإصلاح على المبادئ الدستورية» الذى ترأسه الشيخ على يوسف.. وكان مصطفى كامل يخاطب طلبة المدارس العليا ويراهم وقود الحركة الوطنية. وشكل هؤلاء الطلبة الأغلبية فى عضوية الأهلى فى سنواته الأولى. لكن الصراع السياسى بين الأحزاب الرئيسية لم ينعكس على أعضاء النادى..
•• لكننى أرى وبوضوح أن انتخابات الأندية المصرية بصفة عامة وطوال سنوات تصل إلى نصف قرن كانت فيها ممارسات سياسية غير مباشرة، وكانت ظاهرة لها معان مذهلة، وأهمها أن المواطن المصرى كان يعلن للدنيا كلها: « مصر أصلا ليس فيها سياسة»..؟
•• انتخابات الأندية كانت الملجأ للمواطن المصرى للتعبير عن رأيه واختيار من يمثله. وأذكر أننى فى عام 2004 (قبل 7 سنوات من يناير 2011) وبمناسبة الإقبال الهائل على انتخابات الأهلى كتبت مقالا طويلا جاء فيه: «لماذا يبدو الانتماء لناد فى السلوك اليومى للمواطن وفى مواجهة تحدياته المحدودة أمام خصم أو فريق أهم من الانتماء للوطن فى السلوك اليومى للمواطن، وفى مواجهة تحديات أخطر وأهم وأكبر وأشمل؟
وبصورة ما أيضا يرتبط هذا الاهتمام الشعبى والإعلامى بظاهرة انتخابات الأندية، بفكرة أن النشاط الرياضى هو تقريبا النشاط الوحيد الذى يمارس فيه المواطن حريته.. كما أن أعضاء الأندية يختارون بإرادتهم من يمثلهم، ولا يفاجأون باختيار ممثلين آخرين بإرادة آخرين.. فعضو النادى يجده موقعا يؤثر فيه بصوته، لكنه لايرى وطنه مماثلا لهذا الموقع»..
•• وقلت أيضا: «من المعروف أن الرأى العام فى مصر قادر على تغيير مدرب للمنتخب وإقالة اتحاد الكرة والإطاحة بمجلس إدارة ناد للهزيمة فى مباراة.. لكنه غير قادر على تغيير وزير خسر معركته مع التعليم أو مع رغيف الخبز، أو خسر مباراة مع الكهرباء..».
•• كان هذا الإقبال الشعبى على انتخابات الأندية سياسة أو رفضا للسياسة التى تعيشها البلاد. وكان هذا الإقبال تحولا خطيرا فى علاقة الناس بالأندية.. فقد اعتبرتها الوطن، واعتبر الأعضاء (الشعب) أن ناديهم وطنهم الذى يمتلكونه، بينما مصر بلدهم لايمتلكونها، وإنما هى لآخرين. إلا أن ثورة يناير 2011 غيرت هذا المفهوم وأسقطته نهائيا.. فمنذ يوم 25 يناير من ذاك العام، استرد الشعب المصرى وطنه. وبات يرى مصر هى الوطن الأكبر ويشارك فى الاستحقاقات السياسية بكل قوة وبإقبال منقطع النظير بعدما أصبحت بلده ملكه ولم تعد ملكا للغير..؟!
•• هذه عبقرية الشعب المصرى بكل فئاته وطبقاته. عبقرية تجلت مثلا فى مقاومة الاحتلال الإنجليزى باللغة الفرنسية التى استعملتها النخبة فى حياتها واقتصادها. وهى العبقرية التى لفظت اللغة الإنجليزية على الرغم من احتلال دام 82 سنة.. وهى نفسها العبقرية التى جعلت المصريين يمارسون الوطنية ويتخلون عن السياسة داخل الأندية، ثم يمارسون السياسة داخل الأندية رفضا للسياسة التى خارج الأندية..؟!