لكى تتحول أحلامنا فى الميدان إلى حقيقة - ياسمين فاروق - بوابة الشروق
الأحد 22 ديسمبر 2024 9:38 م القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

لكى تتحول أحلامنا فى الميدان إلى حقيقة

نشر فى : السبت 23 يوليه 2011 - 10:55 ص | آخر تحديث : السبت 23 يوليه 2011 - 10:55 ص
يمكن تقسيم القوى السياسية المصرية فى اللحظة الراهنة إلى ثلاث فئات. الفئة التى ترى أن الثورة مستمرة حتى تبدأ السلطات الحاكمة فى تحقيق المطالب الأساسية والأولية للثورة.

الفئة التى ترى أن التغيير يجب أن يكون تدريجيا وأن النظام الذى بدأ منذ 1952 لا يمكن هدمه فى عدة أشهر. وأخيرا الفئة التى تعتقد أنها تستطيع أن تستفيد فى كل الحالات. وأقول هنا «تعتقد» لأننى أرى كيف تضطرهم تحركات الثوار إلى تغيير مواقفهم والتلاعب بتفسيرات تصريحاتهم مرة تلو الأخرى.

وقد ظهرت الاختلافات ما بين الفئات الثلاث بوضوح منذ يوم الجمعة 8 يوليو خارج الميدان وداخله. وليس من المفيد تجاهل الخلافات خصوصا وأن الاعتراف بها لا ينكر أن توافد مئات الآلاف على الميدان يمثل وسيلة ضغط قوية على المجلس العسكرى والحكومة وبقايا النظام السابق ممن تيتموا بعد سقوط مبارك «وشركاه». كما لا يجب أن يفسر الاعتصام على أنه استعداء للحكومة ولا للمجلس الأعلى للقوات المسلحة. وإنما هى رسالة مفادها أن الشعب واعٍ ومتتبع ولن تهدئه بعض القرارات الشكلية، وأن عجلة الثورة لن تقف إلا بعد أن تكمل دورتها الكاملة وتسحق النظام القديم ونبدأ فى غرس بذور نظام جديد.

●●●

وبالرغم من التأييد الكامل للمطالب الشرعية والعادلة للمعتصمين فى التحرير، فإن الثورة يجب أن تجمع بين المثالية والواقعية. فقد علمتنا التجارب الأخرى فى التحول الديمقراطى أن التظاهر والاعتصام يسيران جنبا إلى جنب مع «التفاوض والمساومة». وأن عملية التحول الديمقراطى تستغرق شهورا بل السنوات. كما أنه إذا لم يتم التأنى قى مرحلة تأسيس النظام الجديد، فقد تحدث لنا انتكاسة. ومجمل هذه الدروس المتناقضة قدمها المشاركون فى مؤتمر عقد منذ أسابيع فى القاهرة حول تجارب التحول الديمقراطى فى العالم برعاية البرنامج الإنمائى للأمم المتحدة، ويمكن إيجاز أهمها فى الآتى:

لا يمكن أن تبدأ عجلة التحول الديمقراطى فى الدوران ما لم يتم تأسيس لجان يلجأ إليها من انتهكت حقوقهم الإنسانية قبل وأثناء الثورة. كما يجب أن تقترن هذه اللجان بآليات واضحة وفعالة لمعاقبة من تثبت إدانتهم. وتعمل هذه اللجان بالتوازى مع لجان التحقيق فى قضايا الفساد. ولكى تكون الديمقراطية «عادلة»، لابد أن تكون هذه اللجان حيادية ومستقلة وأن تمتد سلطاتها إلى كل مستويات النظام السابق دون تمييز.

لن يساند الشعب الديمقراطية كما لن تتوقف التظاهرات إلا إذا أفرزت عملية التحول الديمقراطى نتائج ملموسة على المستويين السياسى والاقتصادى. ولكن لا يجب الاندفاع وراء قرارات سياسية واقتصادية شعبوية تحقق شرعية للحكومة على المدى القصير وتولد آثارا سلبية على البنية الاقتصادية والاجتماعية والسياسية على المدى الطويل.

إن المرحلة الانتقالية إنما هى مرحلة بناء التحالفات بين القوى الثورية. فمن دون توافق حول المبادئ الأساسية للثورة وآليات الحكم فى المرحلة الانتقالية، لن تستطيع قوى الثورة التفاوض مع المؤسسة العسكرية.

إن التوصل إلى تأسيس حكم القانون واحترام الدستور لا يتحقق إلا إذا شعرت كل القوى السياسية أنها جزء من عملية إعادة بناء نظام الدولة. فإن لم يشعر المواطنون بأنهم جزء من الدستور وأنه جزء من حياتهم اليومية وأن كل فصيل وكل فرد قدم تنازلا فى سبيل الوصول إلى توافق مع الآخرين، لن يتحول الدستور من كونه مجرد نص جامد إلى كونه شريان حياة الدولة والأمة. كما يجب أن يكون غير المدانين من أعضاء النظام القديم جزءا من هذه العملية لأنهم مواطنون فى الدولة ولأن إقصاءهم لن يتسبب إلا فى تكتلهم.

يجب أن يشعر الناس بالأمن لكى يطمئنوا إلى الديمقراطية وتبدأ عجلة الإنتاج والتحول الديمقراطى فى الدوران. ولن يتحقق الاستقرار إلا إذا بدأ تطهير قطاع الأمن وإعادة هيكلته وفقا لاستراتيجية واضحة ومنظمة جوهرها تحوله من أداة لفرض النظام السياسى السلطوى بالقوة إلى أداة لإنفاذ حكم القانون على كل المواطنين بالتساوى. كما لا يمكن تصور تنفيذ هذه الاستراتيجية دون تعاون المؤسسة العسكرية.

لا يقتصر دور المجتمع المدنى وحركات الشباب فى المرحلة الانتقالية على صياغة مطالب الشعب والضغط على السلطات. إذ يجب أن تتحمل هذه القطاعات جزءا من مسئوليات هذه المرحلة.

لذلك لا يجب أن تكون الحوارات الوطنية واللقاءات مع المجلس العسكرى مجرد اجتماعات للتشاور دون وضع آليات محددة تضمن استمرار مشاركة هذه القطاعات بشكل منظم ودائم فى إدارة العملية الانتقالية.

هناك مبادئ ينبغى التأسيس لها خلال المرحلة الانتقالية وغرسها فى الدستور. ومن أهمها: تمكين المرأة والنهوض بالتعليم ومدنية الدولة والمواطنة وسيادة القانون وتأسيس قنوات ومجالس للتفاعل الدائم بين المواطن والدولة والتوافق على مبادئ عقد اجتماعى جديد.

●●●

هذه النقاط ليست دروسا للحفظ عن ظهر قلب. ولعله من «حسن حظ» مصر أنها تنتمى إلى أواخر موجات التحول الديمقراطى فى العالم مما يتيح لها فرصة الاستفادة من التجارب السابقة وتلافى بعض الأخطاء التى تهدر الوقت والموارد. فتلك إذن توصيات نتمنى أن نستفيد منها ــ حكاما ومحكومين ــ لأن التجارب أثبتت أنه وإن كانت كل تجربة فريدة، إلا أنه هناك تحديات تشترك فيها كل الدول التى مرت بالمرحلة الحرجة للتحول الديمقراطى.
ياسمين فاروق أستاذ مساعد بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية
التعليقات