إن المحور الراديكالى الذى تقوده إيران، والذى يمر عبر سوريا الأسد وصولا إلى حزب الله فى لبنان، ويتبنى هدفا استراتيجيا هو القضاء على إسرائيل، هو التهديد الملموس والأشد تحديدا الذى تواجهه دولة إسرائيل اليوم. ومن المتوقع وتشكل القدرات العسكرية الحالية لهذا المحور، والقدرات الإضافية التى من المتوقع أن يكتسبها، الموارد الصناعية والعلمية الكامنة لقوة إقليمية. كما أن تعزز قوة هذا المحور فى مواجهة خصومة فى سوريا قد أوضح أخيرا أنه يجب اتخاذ الإجراءات اللازمة لمنع هذا التطور الإستراتيجى الإشكالى، ويفضل أن يتم ذلك بالتنسيق مع دول أساسية فى المنطقة ومع قوى عظمى عالمية.
يجادل البعض قائلا إن التهديد الذى يمثله تنظيم «الدولة الإسلامية» لا يقل خطورة، ويجب التعامل معه بداية. وبالفعل، فإن خطورة تهديد «الدولة الإسلامية» الذى نوقش فى إسرائيل على مدى العامين المنصرمين، يجب ألا تتم الاستهانة به. ومع ذلك، فإن التصدى لهذه المسألة لا ينبغى له أن يمنع إسرائيل من أن تـولى أفضلية إستراتيجية واضحة لتحـدى محـور طهران ــ بغدادــ دمشق ــ بيروت. ومع ذلك، تحت قيادة أمريكية وروسية، وبصرف النظر عن تدخل إسرائيل، حشد المجتمع الدولى جهوده للتعامل مع ظاهرة «الدولة الإسلامية» ونجح حتى الآن فى وقف تقدمها وتقليص منطقة سيطرتها. على الرغم من أن تنظيم «الدولة الإسلامية» يجتذب بعض السنة فى سوريا ما دام الأسد فى السلطة، فمن المحتمل جدا أن تضعف نهاية نظام كهذا، وبروز بديل سنى معتدل كثيرا من جاذبية «الدولة الإسلامية». بل أكثر، تؤكد تقارير حديثة الشكوك فى شأن تعاون قائم بين نظام الأسد و«الدولة الإسلامية»، وتعزز فرضية أن هذين الفريقين المتطرفين لهما مصلحة مشتركة فى إضعاف وإلغاء أى بديل معتدل، مما يساعد فى المحافظة على بقائهما. أما إسرائيل، من جهة أخرى، فهى عمليا تقف وحيدة فى مواجهة المحور الراديكالى المؤيد لإيران ولا يسعها الاعتماد إلا على نفسها. ولهذا السبب، عليها أن تعطى الأولوية لمواجهة تعزيز المحور الذى يتلقى دعما روسيا. وقصارى القول إن خطر جمهورية إيران الإسلامية (وحلفائها) على إسرائيل هو أكبر أضعافا مضاعفة من خطر «الدولة الإسلامية».
***
كى تكف إسرائيل عن الوقوف على السياج، عليها أن تصوغ إستراتيجية متعددة المستويات. وأحد الشروط الأساسية لذلك يتمثل فى إنشاء تحالف إقليمى، سرى إذا لزم الأمر، مع العالم السنى، والأهم من كل شىء مع المملكة العربية السعودية ودول الخليج وتركيا والأردن ومصر. فالدول السنية البارزة فى منطقة الشرق الأوسط تجمعها بإسرائيل مصالح متداخلة، وهى تسعى لتحقيق أهداف متماثلة: إضعاف إيران وحزب الله والإطاحة بالأسد. ولهذا السبب، يجب حشد جهودها لدعم مسارات أساسية تهدف إلى تحقيق هذه الأهداف. وعليها تنفيذ كل ذلك بالشراكة مع الولايات المتحدة، وربما أيضا من خلال تفاهمات هادئة مع روسيا، خلافا لإيران، التى لا تنظر إلى الأسد على أنه مكون ضرورى فى نظام سورى مستقبلى.
وفيما يلى النقاط الرئيسية لوضع إستراتيجية شاملة لمناهضة الأسد ونظامه ولإضعاف المحور الراديكالى:
أولا: يجب إطلاق عملية سياسية وقانونية ضد الجرائم التى ارتكبها نظام الأسد والتى من شأنها المساعدة فى محاسبته على دوره فى القتل الجماعى واستخدامه أسلحة كيماوية. وتستطيع إسرائيل المساعدة فى الكشف عن معظم المعلومات المتعلقة بأعمال القتل التى ارتكبها الأسد وحزب الله فى سوريا وباستخدام أسلحة كيماوية.
ثانيا: يجب إطلاق حوار مع الولايات المتحدة بشأن صوغ إستراتيجية يتم من خلالها إزاحة كل من نظام الأسد والقوات الإيرانية وحزب الله و«الدولة الإسلامية» من سوريا. ويجب أن تشترط إسرائيل ــ وبذلك تصبح جزءا من المعسكر الذى يضم المملكة العربية السعودية وتركيا (حليفتى الولايات المتحدة) ــ الأمر التالى: إزاحة الأسد أولا، ثم «الدولة الإسلامية».. وفى الوقت ذاته، من الضرورى البحث عن طرق إضافية لتعزيز مجموعات المعارضة المعتدلة، وضمن ذلك تزويد أولئك الذين برهنوا عن قدرتهم على محاربة نظام الأسد بكميات أكبر من الأسلحة المتطورة.
ثالثا: ينبغى لإسرائيل أن تثبت أن لديها هى أيضا خطوطا حمراء ومبادئ أخلاقية. وهذه العناصر يجب أن تؤخذ بعين الاعتبار لدى درس تنفيذ عمليات عسكرية محدودة هادفة إلى نقل رسالة أخلاقية وإنقاذ أرواح بشرية، مثل توجيه ضربات إلى مروحيات عسكرية سوريا تلقى براميل متفجرة فوق مناطق آهلة بكثافة. ويمكن تنفيذ عمليات عسكرية كهذه من خلال استخدام قدرات مواجهة من مسافة آمنة، ولا تتطلب الدخول فى حملة جوية واسعة النطاق لتحقيق تفوق جوى، أو الاصطدام بالقوات الروسية فى سوريا.
رابعا: بموازاة ذلك، وبشكل لا يتعارض مع ضربات ضد عناصر فى نظام الأسد متورطة فى إلحاق الأذى بمدنيين أبرياء، تستطيع إسرائيل أن تواجه التهديد الذى يمثله تنظيم «الدولة الإسلامية» فى جنوبى هضبة الجولان من جانب «لواء شهداء اليرموك». ومن شأن خطوة كهذه أن تثبت أن النضال ضد الأسد يمكن أن يسير جنبا إلى جنب مع محاربة «الدولة الإسلامية». ومن المهم أيضا مواصلة تقديم معلومات استخباراتية وأشكال أخرى من المساعدة إلى التحالفات التى تقاتل الجماعات الجهادية السنية وعلى رأسها «الدولة الإسلامية».
خامسا: على إسرائيل، بدعم إقليمى ودولى، أن تشجع استقرارا لظروف إنسانية فى جنوب سوريا على طول الحدود مع إسرائيل والأردن. ويجب أن تشمل الجهود الرامية إلى استقرار الوضع فى هذه المنطقة أيضا تعزيز تكيف قدرات قوات الأمم المتحدة العاملة فى المنطقة لضمان ملاءمتها للقيام بهذه المهمة.
سادسا: التوصل إلى عقد تفاهمات متينة مع روسيا من أجل دفع هذه الجهود قدما مع المحافظة على المصالح الروسية فى شمال سوريا. ومن المهم التشاور مع موسكو بشأن استبدال نظام الأسد بنظام أكثر توجها نحوها وأقل توجها نحو إيران.
سابعا: يجب بذل جهود لتشجيع ودعم، بقدر الإمكان، إجراءات عربية ضد حزب الله وإيران فى المحافل الإقليمية والدولية.
***
بدأت عملية إعادة تشكيل منطقة الشرق الأوسط قبل أكثر من خمسة أعوام، ولا يزال حاليا من المستحيل التنبؤ بخواتيمها. ومع ذلك، يمكن الافتراض أن الأطراف المتورطة فى النزاعات فى المنطقة بصورة عامة، وفى سوريا بصورة خاصة، تسعى لحلول من خلال محاولة إعادة تشكيل علاقات القوة بينها وبين هيكليات الدولة فى المنطقة. وعلى هذه الخلفية، فإن لإسرائيل مصلحة أساسية فى ضمان ألا تكون إيران وحزب الله القوتان اللتان ستتعزز قوتهما ضمن إطار نظام جديد فى منطقة الشرق الأوسط. وعندما ستتم الإطاحة بالأسد فى نهاية المطاف، من المهم أن يعرف العالم العربى والإسلامى أن إسرائيل وقفت إلى جانب الطرف المحق فى الصراع، وعملت بشكل صحيح من منظور أخلاقى واستراتيجى على حد سواء.