السياسى الذكى ليس هو الشخص الذى يتخذ القرار الصحيح، لكنه أيضا الذى يتخذه فى التوقيت الصحيح.
كلنا يذكر بطء استجابة كل الطغاة لأصوات ومطالب ودعوات شعوبهم، ثم فجأة يستجيبون، لكن بعد فوات الأوان، فيجرفهم طوفان الشعوب.
الأمر تكرر مع حسنى مبارك وتكرر بالطبع مع محمد مرسى.
جماعة الإخوان ارتكبت أخطاء كارثية فى مسألة التوقيت ودفعت ثمنا باهظا جراء ذلك.
لو أنها استجابت لمطلب غالبية الشعب باجراء انتخابات مبكرة لكان هناك احتمال إما أن يستمر مرسى رئيسا أو يخرج معززا مكرما هو وجماعته ويظلوا فى قلب المشهد وربما لفازوا بالانتخابات البرلمانية أو بحصة معتبرة منها.
حتى وبعد أن تم عزله كان يمكنه التنازل الطوعى عن الحكم والحصول على صفقة جيدة تحفظ جماعته وتنظيمه، لكن الجماعة ركبت رأسها.
اعتصموا فى رابعة ورغم ذلك كان أمامهم خيار جيد يتمثل فى فض الاعتصام سلما والحصول على ثمن سياسى يتمثل على الأقل فى المشاركة السياسية ووقف الملاحقات الأمنية والأهم من كل ذلك الحفاظ على الدماء التى سالت بكثرة فى الشوارع.
نعرف أن كلمة «لو» تفتح باب عمل الشيطان، لكن الكارثة أن الجماعة لا تزال تصر على الاستمرار فى التفكير بنفس الطريقة.
لا تريد الجماعة أن ترى أن هناك سلطة جديدة مدعومة بحراك شعبى غير مسبوق لن تسمح بعودة الأمور الى ما قبل 30 يونيو وأن سقفها السياسى هو خريطة الطريق أو المستقبل.
وبالتالى فالهدف من هذه السطور ببساطة مناشدة الجماعة التفكير بطريقة عملية خلاصتها أن الثمن السياسى الذى ستحصل عليه إذا جلست على مائدة التفاوض الآن سيكون أفضل مما إذا اجلت القرار الى الغد، وهكذا.
جدل الإخوان حول طبيعة ما حدث فى 30 يونيو وهل هى ثورة أم انقلاب لن يفيد كثيرا فى هذه اللحظات، هذا الأمر ستحسمه كتب التاريخ.
المهم الآن هو التصرف بطريقة عملية تمنع إراقة المزيد من الدماء، وتوفر ارضية للخروج من الأزمة.
مرة أخرى أمام الإخوان خياران الأول أن يواصلوا الإصرار على الصدام مع الجميع الجيش والشرطة وغالبية الشعب، أو قراءة المشهد جيدا والتعامل على أساسه.
وللموضوعية، فإن الإخوان يحتاجون طرفا فى الجانب الآخر يمد لهم يده ويقول لهم نحن مستعدون لتفاوض أو تفاهم جاد شعاره «إن مصر لكل المصريين» وأن فكرة إبادة جزء من المصريين هى فكرة عنصرية وسقيمة ناهيك عن كونها مستحيلة.
من حق الإخوان أن ينظموا مسيرات ومظاهرات سلمية طبقا للقانون أولا، وبعد إعمال منطق فقه المواءمات وقراءة المشهد السياسى ثانيا، واجب عليهم أن يحاولوا انتهاز الفرصة الملائمة الآن.
أكثر ما يخشاه المرء أن يندم الاخوان خلال أيام على ما هو متاح من حلول أمامهم اليوم.
الإخوان أشد ما يكونون الان فى حاجة إلى القيادات العاقلة الرشيدة التى تؤمن أن المواجهة الشاملة ستؤثر على المجتمع بأكمله نعم، لكنه ستدمر فى طريقها الجماعة أيضا، وبالتالى عليهم ألا يكرروا الخطأ القاتل الذى وقع فيه مبارك ثم مرسى.
الإخوان يحتاجون الآن فكرا جديدا وجريئا.
والسؤال هو: هل الظروف الراهنة ملائمة لظهور ذلك؟!
الإجابة متروكة لتقدير حضراتكم