اجتماع واحد غير وجه التاريخ فى 28 نوفمبر 1941، اجتمع المفتى الحاج أمين الحسينى بزعيم ألمانيا النازية أدولف هتلر.
فى هذا الاجتماع، كان هتلر يريد فقط سجن اليهود فى معسكرات الاعتقال كوسيلة ردع خلال أيام حرب متوترة، لكن المفتى أقنعه بإبادتهم. وإذن، عذرا أيها الفوهرر العزيز لأننا خلال 80 عاما كنا نتحدث عنك بسوء، فى حين أن العدو الحقيقى هو زعيم الشعب المجاور، وهو الذى يجسد الشر.
سجلوا فى دفاتركم أن الشر لم يتجسد فى آلة الموت النازية، ولا فى معسكرات الاعتقال الوحشية، ولا فى العقيدة العنصرية التى تقشعر لها الأبدان. المسئول هو وتذكروا هذا جيدا المفتى الفلسطينى.
أخيرا نكتشف أن هذه الجريمة البشعة هى من صنع زعيم كان أبناء شعبه غارقين تحت استعمار عمره 500 سنة، بدءا من الأتراك وصولا إلى الإنجليز، وأكثر من 90% منهم أميون، وغالبيتهم العظمى فلاحون بسطاء، لم تصل الكهرباء إلى بيوتهم. واليوم، يأتى بنيامين نتنياهو بهذه التهمة الخطيرة، ويحطم لنا كل النظريات التى تربط نظرية العرق «المتفوق» والإبادة بالتطور الصناعى الرأسمالى.
ومن ناحية أخرى، هؤلاء الفلسطينيون الذين طوال الوقت قال نتنياهو عنهم إنهم ليسوا شعبا وبالتالى لا يحق لهم الحصول على دولة، هم فى الواقع قوة عظمى تؤثر فى تطور الأحداث التاريخية بطريقة سلبية. يا سيد نتنياهو عليك أن تقرر: «هل الفلسطينيون شعب أم لا؟ وهل هم قوة عظمى أم هم أفراد التقوا مصادفة؟».
صحيح أن الأمور قد لا تبعث على البهجة فى ما يتعلق بتاريخ المفتى، فقد تبنى الرجل فكرة بدائية ترى أن عدو عدوى صديقى. ولا شىء أكثر مأساوية من هذا. لكن يوجد يهود أيضا تبنوا مثل هذا الخط فى حربهم ضد الإنجليز. ويمكن القول أيضا، إنه بدلا من أن يضع المفتى سياسة تحرر وطنى تتلاءم مع القيم الإنسانية، تبنى خطا ظلاميا لا علاقة له بمصلحة الشعب الفلسطينى.
بل على العكس من ذلك، كان كلامه وأفعاله بمثابة هدية إلى الأوساط التى عملت على إلحاق الأذى بنضال الشعب الفلسطينى، والمفتى قدم لهم ذريعة. لكن حتى لو لم يظهر الحاج أمين الحسينى فى حياة الفلسطينيين، فإن نتنياهو كان سيخترعه. وفى أيام الانتداب، انتشرت وسط زعامة الحركة الصهيونية عبارة «اعتمدوا على المفتى»، أى أنه سيدلى بتصريح يبرر هجوما على الفلسطينيين.
لكن الرجل كان مطلوبا من الإنجليز، وقد هرب إلى مكان لا يمكنهم العثور عليه فيه. وحتى عندما سمح له الإنجليز بالعودة إلى فلسطين فى نهاية الحرب، فضل محاربة الصهيونية من القاهرة التى كانت تحت النفوذ الإنجليزى.
إن محاولة نتنياهو وضع المفتى فى مركز النزاع تثبت إلى أى مدى وصل إفلاس المتطرفين فى إسرائيل وإفلاس الرهان الذى يقومون به. إن هذا بمثابة إعلان حرب شاملة على الشعب الفلسطينى: «إما نحن أو هم». إن المسرحيات التى يجرنا إليها نتنياهو، نحن العرب واليهود، مخيفة. حتى الآن كان فى إمكان يتسحاق هيرتسوغ ويائير لبيد وشيلى يحيموفيتش تبرير دعمهم له بحجة أنه ينبع من محاربتهم للإرهاب. لكن نتنياهو صار اليوم خطرا للغاية، وهو يتسبب لنا بتسونامى مرعب.
فى الختام، أريد أن أتوجه بطلب صغير إلى نتنياهو: «رجاء توقف عن التنكيل بنا. طردنا من أرض أجدادنا. أغلبية أبناء شعبى لاجئون خارج وطنهم. والآن هو يحولنا إلى نازيين لعينين. كفى. هل انتهت الشعوب فى العالم؟ ابحث لك عن شعب آخر تسىء إليه».
عودة بشارات- محلل سياسى
هآرتس
نشرة مؤسسة الدراسات الفلسطينية