دعيت لحضور مؤتمر يناقش قضايا تطوير قوانين الأحوال الشخصية.. كانت فرصة لا تعوض استمعت فيها لعرض مستفيض من سهام المحامية والرائدة فى نهضة المجتمع المدنى قبل أن تقرر السلطة الانقضاض عليه، استمعت أيضا إلى آراء عدد وفير من رجال الدين وأغلبهم من جيل الشباب. كان ملموسا إجماع المشاركين على ضرورة حماية مؤسسة الزواج من عواصف التغيير الاجتماعى وفى الوقت نفسه انتزاع حقوق جديدة للمرأة من منظومة «أثرية»، أو على الأقل ضمان حصولها على حقوقها القليلة التى أقرتها القوانين القائمة. لا أحد أراد الاصطدام بالدين، ولكن كثيرين طالبوا بمرونة أوفر فى تقديم تفسيرات جديدة لبعض القواعد والنصوص، تفسيرات تأخذ فى اعتبارها الحال الذى تردت إليه مؤسسة الزواج والتغييرات العميقة فى الوعى والبيئة والعلاقة بين الناس.
***
لم يكن خافيا إدراك الحاضرين لحقيقة أن مؤسسة الزواج تعانى من أزمات خطيرة. تؤكد الإحصائيات لعديد من المجتمعات أن نسب حالات الانفصال والطلاق تجاوزت حدود المتعارف عليه تحت عنوان الاستقرار الأسرى والاجتماعى. أما مصر فالإحصائيات الأخيرة تضعها فى صدارة المجتمعات التى اقتربت من وضع الأزمة الحادة.
كثيرون يعتقدون، وأنا منهم، أن مصر شهدت فى السنوات توترا ملحوظا وربما غير مسبوق فى العلاقات بين الناس عموما. نراه فى كل مكان. نعيش معه فى غرف وقاعات العمل، أى بين زملاء ورفاق، وفى البيوت أى بين أفراد العائلة الوحدة. وفى النهاية لابد أن يصل هذا الزخم من التوتر الكثيف والواسع الانتشار إلى العلاقة بين الزوج والزوجة، أى إلى النواة التى يقوم عليها المجتمع.
***
لا نختلف على أن أسباب التوتر الاجتماعى الراهن فى مصر عديدة وأنها باقية معنا لسنوات غير قليلة، ولا أتردد فى القول بأن الإدارة السياسية الراهنة مسئولة إلى حد كبير عن جانب مهم من حالات الشقاق فى المجتمع. يكفى أن أشير إلى نوعية الخطاب الإعلامى المعبر عن السلطة وأسلوبه ومستواه وقدرات مخططيه ومنفذيه وتأثيره فى الناس، وإلى التقاعس المقلق عن تنفيذ الوعود بالإصلاح والتغيير واحترام الحقوق واستعادة كرامة الإنسان المصرى بخاصة المرأة المصرية، والى التجسيد الخاطئ لمفهوم هيبة الدولة، والى ما انتهت اليه مبادئ ثورة رفعت رأس مصر لفترة قبل أن يتكالب عليها أعداؤها فى الداخل ومن الخارج.
***
صرت أسمع بالهمس أولا ثم بالصراخ تمردا متزايدا على مؤسسة الزواج. قالت زوجة صغيرة ومتعلمة ومتدينة إنها اكتشفت أن الزواج لم يضف جديدا إلى حياتها يستحق التضحية بدرجة أو أخرى من استقلال الإرادة أو من حرية السلوك والتصرف. الرتابة انتقلت من بيت العائلة الكبير إلى بيتها الصغير. الزوج، شابا كان أم كهلا، لا يحمى بالضرورة زوجته من تحرشات الشارع والمواصلات والعمل، ولا يضمن بالضرورة تعويضها ماديا ومعنويا إن اعتزلت عملها أو فرض عليها الاعتزال، ولا يتحمل مسئولية أطفالهما إن التزمت بواجبات أخرى، ولم يعد يتحمل فراق هاتفه الذكى وجهاز الآى باد مفضلا صحبتهما على صحبة زوجته. اكتشفت الزوجة المفعمة حياة وشبابا وطموحا أن الزواج لا يشبع التطلعات والطموحات والأحاسيس والعواطف التى كانت حتى وقت قريب حوافز زواج. الزواج لم يحقق لها ما كان يحققه لجدتها، أو حتى لأمها وأبيها، أم أن كل هؤلاء أخفوا عنها الحقيقة.
***
ما البديل؟ مجلة التايم الأمريكية فى عدد صدر قبل شهور أثارت من جديد مسألة «الزواج المؤقت». من ناحية أخرى كانت الباحثة الاجتماعية الامريكية كوتس قد ناقشت فكرة النص فى عقد الزواج على التزام الزوجين بتعاقدهما مدى الحياة، وأن الموت وحده هو الذى يفصل بينهما.. قالت كوتس إن هذا النص جرى إدراجه عندما كان متوسط عمر الإنسان لا يتجاوز الأربعين، مؤكدة أن متوسط عمر الزيجات فى القرن الثامن عشر والتاسع عشر لم يزد عن الاثنى عشر عاما.
أما وقد وصل متوسط عمر الإنسان إلى السبعين والثمانين، أصبح ضروريا إعادة النظر فى قاعدة «الزواج المؤبد». تقول الباحثة، إن المرأة فى أزمنة سالفة كانت تطمئن إلى الزواج طويل الأمد لسبب بسيط هو أن الزوج عائلها ولا عائل غيره إذا لم يستمر الزواج.الآن وبعد أن طال العمر وتغيرت الاهتمامات والأولويات اتضحت خطورة عنصر الملل.. الزواج فى سنواته الأولى قد يكون مثيرا ومليئا بالمفاجآت، كل طرف يكتشف الآخر،كل يوم يحمل جديدا، ثم يأتى الأطفال فيجددون الإثارة. ثم يتسرب الملل. تقول إحصائيات حديثة أن ١٠٪ من حالات الزواج الأول تنتهى قبل حلول العام الخامس. هناك من يقول إن الانفصال يقع لأن الزواج يبرد وأن الحب مثل كل المشاعر الطيبة يتطلب التجديد إذا أريد له أن يبقى، بمعنى أنه يريد ما يغذيه من عناصر التسلية والإثارة والابتكار. إذا لم يتجدد الحب هيمن الملل ومن الملل تثور المشاجرات والمشاكسات التى قد تنتهى، فى أسوأ الظروف، بالكراهية المتبادلة. النموذج المثالى على هذا التطور المؤسف يتمثل دائما فى ذهنى برواية حرب الزهور The War of Roses للمخرج الايطالى دانى دى فيتو وتمثيل مايكل دوجلاس وكاتلين تيرنر.
***
غير صحيح على الإطلاق الاجماع على أن الزواج المستقر طويل الأمد، أو المؤبد بمعنى أدق، دليل سعادة، بل كان بين الحين والآخر محل شك كبير لدى مفكرين كبار. الشاعر الألمانى جوهان فون جوته ناقش مساوءه فى كتاب صدر له عام ١٨٠٩. وفى عام ١٨٨٨ كتب E.D Core كتابا بعنوان مشكلة الزواج اقترح فيه أن ينص فى عقد الزواج على فترة خمس سنوات، يمكن تجديده برضاء الطرفين لمدة عشر أو خمس عشرة سنة وبعدها يجوز للطرفين تحويله إلى عقد أبدى إذا تأكدا من نجاحه. وفى عام ١٩٧١ تقدم مشرعون فى ولاية ماريلاند الأمريكية بمشروع «لائحة الزواج ذى العقد المتجدد»، تسمح بتجديد عقد الزواج كل ثلاث سنوات. وفى عام ٢٠٠٧ تشكلت جمعية أهلية فى الفيليبين تدعو إلى إصدار قانون يحدد مدة الزواج فى العقد بعشر سنوات قابلة للتجديد، ثم أقدم نواب فى برلمان المكسيك على صياغة مشروع بقانون فى عام ٢٠١١ يقترحون فيه إدخال تعديل على قانون الأحوال الشخصية يفرض على الطرفين أن يقررا قبل الزواج مدته التى سوف ينص عليها فى العقد بشرط ألا تقل عن سنتين. جدير بالذكر أن الزواج المتجدد تقليد مارسه الهنود الحمر سكان جبال الإنديز فى بيرو، ومارسها الشعب فى إندونيسيا قبل وصول الاستعمار الهولندى ويمارسه كما نعلم مسلمون كثيرون فى شبه الجزيرة العربية وصعيد مصر تحت أسماء وعناوين مختلفة، ويقبل عليه بعض المسلمين فى غرب أفريقيا تحت اسم «زواج التجربة» لمدة مفتوحة تسمح بتأكد الطرفين من صلاحيتهما للزواج المؤبد.
***
ما أحلى أن تسمع زوجة من زوجها صباح يوم انتهاء المدة التى نص عليها عقد زواجهما المؤقت، هل تقبلينى زوجا لك لمدة أخرى؟