كما تعلم، فإن النتائج شبه النهائية للاستفتاء على الدستور، وبصرف النظر عن عمليات التزوير الموثّقة بالصوت والصورة والتى لن تعترف بها الجماعة وأخواتها أبدا، رجحت كفّة «نعم»، وعليه، سيظهر الرئيس الذى حرمنا من طلّته أسبوعين كاملين، ليلقى بيانا إلى الأمة، يدعو فيه إلى التسليم بما أسفرت عنه الصناديق، واحترام الإرادة الشعبية التى عبرت عن نفسها» بمنتهى الحرية والشفافية والنزاهة»، وسيدعونا إلى نبذ الخلاف والعمل معا «كى ننهض بمصر»، وسيذكرنا بما كنّا نسيناه من أنه رئيس لكل المصريين، مسلمين ومسيحيين وإخوان وسلفيين وليبراليين ويساريين، وسينطلق أهله وعشيرته فى الفضائيات، مستبدلين بخطاب الترهيب والحشد والشهادة والمؤامرة، خطابا آخر، يدعو إلى التوافق والتآلف والاستقرار لبناء مؤسسات الدولة الجديدة «وكفانا ما أضعناه فى خلافات نخبوية بينما المواطن الغلبان يئن تحت وطأة الفقر والمرض والبطالة».
الخطاب المتوقع للجماعة ومندوبهم فى «الاتحادية» لا يعبرعن سوء نية فحسب، إنما يشير إلى حالة استثنائية من عدم القدرة على قراءة الواقع كما عبر عنه هذا الاستفتاء المريب، والذى تعد أهم وأخطر نتائجه أنه قسّم المصريين إلى قسمين، فبقى الرئيس وأهله وعشيرته فى جانب، وبقية المصريين فى جانب آخر، وإذا أصر الرئيس على قراءة المشهد وفقا للنتائج غير الحقيقية التى عبر عنها الاستفتاء، واستنادا للتقارير المقدمة إليه من مكتب الإرشاد، فإنه سيواصل مسيرته فى الارتباك والتخبط والعشوائية، كما بدت لكل ذى عينين على مدى الشهور الستة الماضية.
يراهن الرئيس وجماعته على أنهم بدستورهم المعيب وبرلمانهم وخلاياهم النائمة فى قطاعات الدولة قادرون على خطف البلد، وهو ما يسمونه استقرارا، لكن ذلك لن يحدث، والأرجح أن العكس هو ما سيحدث تماما.
ستزداد المعارضة قوة بعد أن وحّدها مرسى بانحيازه السافر إلى جماعته، وبعد أن انضمت إليها قطاعات واسعة من الناس، كانت حتى وقت قريب تأمل فيها وفيه خيرا، لكنها اليوم وبعد تجربتها لشهور عدة فى الحكم، كشفت كذبها وتضليلها، والأهم: عدم كفاءتها، وبدا للمصريين أن الجماعة وأخواتها يتاجرون بالدين، وأنهم يكذبون كما يتنفسون، وأنهم باسم الدين فرّقوا بين أبناء الوطن الواحد، بل حتى بين أبناء الدين الواحد، وأنهم فى كل منافسة سياسية، استدعوا الدين للعب على مشاعر البسطاء، كى يبدو هم المؤمنون ومنافسوهم كفرة، فعلوا ذلك فى استفتاء مارس وفى انتخابات مجلس الشعب وفى انتخابات الرئاسة وفى الاستفتاء على الدستور.
أما المتغير الأخطر، والذى سيقلب خطة الجماعة رأسا على عقب، فهو التدهور الاقتصادى الحاد الذى ستواجهه مصر خلال شهرين أو ثلاثة على الأكثر، إذ بينما الرئيس وجماعته منغمسون حتى آذانهم فى تنفيذ مخطط التمكين، تشهد البلاد نقصا متواليا فى احتياطاتها النقدية، وتراجعا حادا فى معدلات النمو وخللا فادحا بين الإيرادات والمصروفات، وهو أمر تستلزم مواجهته إجراءات حادة كان يمكن أن تمر لو كانت هناك درجة معقولة من التوافق فى المجتمع وهو مالم يحدث كما ترى، ومن المرجح أن يؤجل الرئيس وجماعته أى إجراءات من هذا النوع إلى ما بعد انتخابات مجلس الشعب كى لا تؤثر على ما يحصدونه من أصوات، فى الوقت الذى تتفاقم فيه الأزمة وتصبح عصية تماما على الحل.
للأسف «نعم» لن تحقق استقرارا.. المقدمات السيئة تقود إلى نتائج سيئة.