وقعت إيران والدول الكبرى (5+1) اتفاقا مؤقتا فى جنيف فى 24 نوفمبر حول البرنامج النووى الإيرانى. ورغم كون الاتفاق مؤقتا، فإنه من المتوقع أن يؤدى فى نهاية المطاف، وبعد مفاوضات اخرى، إلى وضع القيود اللازمة لمنع السماح لإيران تسليح برنامجها النووى. مقابل ذلك، تتعهد الدول الغربية تخفيض الحصار المالى والنفطى على ايران. لقد تم التوصل إلى هذا الاتفاق، الذى تعارضه إسرائيل ومعها اعضاء الكونجرس المساندون لها. لكن، رغم ذلك، يتوقع ان يؤدى الاتفاق إلى فتح صفحة جديدة مهمة ما بين إيران والغرب. وستكون له أيضا انعكاسات كبيرة على صناعة النفط العالمية، حيث سيسمح لشركات النفط الكبرى العودة والاستثمار ثانية فى قطاع النفط الايرانى، كما انه من المتوقع عودة صادرات النفط الايرانية إلى الاسواق العالمية مرة اخرى.
يتوقع المراقبون ان يؤدى خفض العقوبات إلى حصول إيران على نحو 7 مليارات دولار. طبعا، لن يتم رفع هذه العقوبات بسرعة أو بقرار واحد. ففى الولايات المتحدة، مثلا، يتوجب على الرئيس اوباما الحصول على موافقة الكونجرس قبل إلغاء أى قرار للحصار. وهذه عملية معقدة ويمكن ان تأخذ وقتا طويلا. ومن غير المتوقع ان تجمد إيران برنامجها النووى قبل الحصول على تعهدات شرعية بإلغاء العقوبات أو البدء جديا فى هذا المسار، إذ ان الشعب الإيرانى يترقب بتلهف إلى الجزرة التى ستحصل عليها إيران لقاء تجميد البرنامج النووى.
•••
وبما ان الاتفاق المؤقت ينص على الوصول إلى اتفاق نهائى خلال ستة شهور (فصل الربيع المقبل)، فمن غير المتوقع الوصول إلى حلول جذرية قبل تلك الفترة، فى احسن الأحوال.
إلا أن السلطات النفطية الإيرانية قد بدأت فعلا فى الاتصال مع الشركات النفطية العالمية التى كانت تستثمر فى إيران قبل قرارات المقاطعة (شركة توتال الفرنسية ورويال دتش شيل الهولندية واينى الايطالية وستاتويل النرويجية)، كما تفيد بعض التقارير الصحفية ان وزير النفط الايرانى بيجان زنجانيه قد اتصل مع شركات أمريكية ودعاها هى أيضا للعودة والاستثمار فى ايران ثانية. يعود السبب وراء هذه الاتصالات المبكرة إلى كسب الوقت إلى حين الوصول إلى الاتفاق النهائى المأمول. طبعا من غير المتوقع ان توقع هذه الشركات العملاقة أى اتفاقية قبل إلغاء قوانين المقاطعة والحظر الاقتصادى التى شرعتها الدول الغربية، فالاستثمار فى مشاريع الاستكشاف وتطوير الحقول يتطلب المليارات من الدولارات. ولن تخاطر الشركات بتحدى قوانين بلادها أو حتى بلاد صديقة (تنص قوانين الحصار الأمريكية بمقاطعة أى شركة ــ امريكية أو غير امريكية ــ اذا خالفت قوانينها وذلك بمنعها من الاستثمار فى الولايات المتحدة أو تسجيل اسهمها فى بورصة نيويورك). يكمن هدف ايران من دعوة الشركات الدولية إلى رفع طاقتها الانتاجية من نحو 3 ملايين برميل يوميا حاليا إلى نحو 4 ملايين. هذا، ومن الجدير بالذكر ان طاقة ايران الانتاجية فى عهد الشاه (أى حتى نهاية عقد السبعينيات كانت نحو 6 ملايين برميل يوميا). لا يتوقع ان تكون عودة الشركات العالمية بهذه السهولة. فهناك عقبات يتوجب اجتيازها والتعامل معها. مثلا، ستطالب الشركات العالمية توقيع عقود استثمارية تسمح بأن تمتلك من خلالها حصة فى احتياطى الحقول التى تعمل فيها. لكن، يتوقع ان يلاقى هذا الاقتراح معارضة قوية فى المجلس، بالذات من القوى المحافظة. كما ان عودة الشركات الاجنبية سيعنى ازاحة أو تخلى مؤسسات الحرس الثورى الاقتصادية عن بعض الحقول، وهذه تشكل بعض المكتسبات التى حاز عليها الحرس الثورى فى الانظمة السابقة.
•••
وسيعتمد أيضا عودة صادرات النفط الايرانية إلى مستواها السابق على سرعة اتخاذ القرارات اللازمة فى واشنطن للسماح للدول باستيراد النفط الايرانى والدفع بالدولار للخزانة الايرانية. فكما هو معروف انخفض مستوى صادرات النفط الايرانية من نحو 2.50 مليون برميل يوميا إلى نحو مليون برميل يوميا اثناء الحصار. وأهم الدول التى كانت تستورد النفط الايرانى هى: الصين واليابان والهند وكوريا الجنوبية. فالأغلبية الساحقة من صادرات النفط الايرانية تتجه إلى القارة الاسيوية. واتجهت كمية اقل إلى اوروبا. وامتنعت الولايات المتحدة استلام أى نفط ايرانى منذ عقد الثمانينيات.
من المفروض أن تؤدى عودة الصادرات الإيرانية إلى تخمة فى الاسواق، ومن ثم إلى انخفاض الاسعار. لكن، تزامن هذه العودة للصادرات مع تراجع كبير فى صادرات كل من ليبيا ونيجيريا، لاضطرابات سياسية فى كلا البلدين. من ثم، نلاحظ ان اسعار النفط لا تزال تتراوح فى نطاق 100-110 دولارات للبرميل.
•••
شكل الحصار والمقاطعة ضغطا كبيرا على الاقتصاد الايرانى، حيث تدهور سعر التومان، وانقطعت ادوية كثيرة عن السوق المحلية، ناهيك عن مواد استهلاكية عديدة. ويتوقع الناخبون الذين صوتوا للرئيس روحانى بإلغاء سريع للعقوبات، مما يعنى التزام طهران بتجميد برنامجها النووى. إلا انه من الواضح فى نفس الوقت ان مفاوضات معقدة من هذا النوع قد تأخذ وقتا طويلا، كما انه ليس من السهل دفع الصناعة النفطية إلى الامام بسرعة أو بسهولة، كما تدل على ذلك تجارب دول نفطية شرق أوسطية عانت هى بدورها من العقوبات والمقاطعة.