النظرة إلى العرب فى المصادر الدينية اليهودية - يحيى عبدالله - بوابة الشروق
الإثنين 27 يناير 2025 12:25 ص القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تتوقع نجاح اتفاق الهدنة في غزة؟

النظرة إلى العرب فى المصادر الدينية اليهودية

نشر فى : السبت 25 يناير 2025 - 7:35 م | آخر تحديث : السبت 25 يناير 2025 - 7:35 م

ثمة توافق فى المصادر، اليهودية والإسلامية، على أن إسماعيل، أبو العرب، ومن ثم فإن النظرة الإشكالية إلى العرب فى العصر الحديث امتداد طبيعى للنظرة إلى إسماعيل فى المصادر الدينية اليهودية؛ وهى نظرة، تسبق نظرة المستشرقين، الذين ارتبطوا بالحركة الاستعمارية، إليهم، بل إننى أزعم أنها نظرة مؤسسة، مصدرها الأول وليس الوحيد، سفر التكوين، السفر الأول من أسفار التوراة، أو بحسب تعبير الحاخام، ميخائيل لصرى (1961/أحد حاخامات التيار الحسيدى الحريدى بإسرائيل/من مواليد الدار البيضاء)، فى سلسلة من المواعظ عن الحرب على غزة، عن جذور النزاع بين الإسرائيليين والعرب: «لقد أوضحت لنا التوراة من هم هؤلاء الإسماعيليين؟ وتحدثتْ عنهم، وعن أن كل شىء يبدأ من إسماعيل». وقد ورد فى «الجمارا»، شروح التلمود البابلى، مبحث سوكا: «أربعة ندم القدوس تبارك اسمه على خلقهم، هم: الجالوت، والبابليون، والإسماعيليون، وغريزة الشر (لدى الإنسان)».
يستكشف المقال جوانب هذه النظرة من خلال نصوص هذا السّفْر، وتفاسير المفسرين اليهود له، ومن خلال نصوص مؤسَّسة أخرى، مثل التلمود وشروحه.
تكرّس نظرة المصادر اليهودية لإسماعيل ثلاث صفات: البعد الاجتماعى/الطبقى المتدنى له فى مقابل البعد الاجتماعى السامى لإسحاق (أبى اليهود)، وصفة البداوة وعدم التحضر، ثم صفة الوحشية والعدوانية.
• • •
فيما يخص الصفة الأولى، ثمة إلحاح فى بداية الإصحاح السادس عشر من سفر التكوين على تأكيد مسألة التمايز، اجتماعيا وطبقيا، بين سارة أم إسحاق، وهاجر أم إسماعيل. (معنى الاسم سارة فى العبرية: سيدة من علية القوم، ووزيرة أو حاكمة فى اللغة المعاصرة، خلافا لمعنى اسم هاجر، الذى يقول الحاخام لصرى إنه مشتق من مادة القتل فى العبرية). إذ يكرر السفْر فى خمسة مواضع، أن هاجر جارية وليست سيدة من الحرائر: «وأما ساراى امرأة أبرام فلم تلد له. وكانت لها جارية مصرية اسمها هاجر» (التكوين، 16، 1)، و"فقالت ساراى لأبرام: هوذا الرب قد أمسكنى عن الولادة. ادخل على جاريتى لعلى أرزق منها بنين» (التكوين 16، 2)، «فأخذت ساراى امرأة أبرام هاجر المصرية جاريتها، من بعد عشر سنين لإقامة أبرام فى أرض كنعان، وأعطتها لأبرام رجلها زوجة له» (التكوين، 16، 3)، و«فقالت ساراى لأبرام: ظلمى عليك، أنا دفعت جاريتى إلى حضنك..» (التكوين 16، 5)، و«فقال أبرام لساراى: هوذا جاريتك فى يدك افعلى بها ما يحسُن فى عينيك. فأذلَّتها ساراي..» (التكوين، 16، 6).
أول سؤال يتبادر إلى الذهن، هنا، هو كيف تكون هاجر جارية، والتفاسير اليهودية تقول إنها أميرة مصرية، وهبها فرعون مصر لإبراهيم؟! (منها تفسير الرابى، شمعون بر يوحاى لسفر التكوين)؛ وهل يُعقل أن يعطى فرعون مصر بجلالة قدره ابنته إلى شخص نزح هو وامرأته من أرض كنعان إلى مصر، ملتمسا الرزق، بعد أن أصاب القحط والجوع موطنه، لتكون جارية له؟!. أى منطق يسوغ هذا الفعل؟!: «وحدث جوع فى الأرض، فانحدر أبرام إلى مصر ليتغرب هناك، لأن الجوع فى الأرض كان شديدا» (التكوين، 13، 10).
يستهدف إلحاح النص الدينى على مسألة الفرز، والتمايز الطبقى، عبر التكرار، فى مساحة بضعة أسطر، التأسيس، والتبرير لمسألة الاستئثار بإرث إبراهيم، سواء أكان إرثه الروحى، أم المادى، بخاصة، أى الحق فى (الأرض الموعودة لنسل إبراهيم من إسحاق فقط): «فقالت سارة لإبراهيم: اطرد هذه الجارية وابنها، لأن ابن هذه الجارية لا يرث مع ابنى إسحاق». (التكوين، 21، 10). ربما كان قرار سارة، بطرد هاجر وابنها وحرمان إسماعيل من إرث أبيه، متأثرا بالسياق الثقافى فى تلك الحقبة، أى بشريعة «حمورابى» (سادس ملوك بابل 1792ـ 1750 قبل الميلاد)، التى تنص على أنه «إذا تزوج رجل سيدة (ليست أَمة) ولم تنجب له، وقرر الزواج بأخرى، فلا يحق له إدخالها بيته، ولا تتساوى أبدا فى مرتبتها بالزوجة السيدة (شريعة رقم 145)، و«إذا أنجبت الزوجة (السيدة) بنينا لزوجها وأنجبت له أمَته، أيضا، بنينا، واعترف الزوج فى حياته بأبنائه من الأمة، وعدّهم ضمن أبنائه من الزوجة السيدة، ثم توفى، فإن ميراثه يُقسّم بين أبناء الزوجة السيدة وأبناء الأمَة (شريعة 170)؛ أما إذا لم يعترف الزوج فى حياته بأبنائه من الأمة، ثم توفى، فإن أبناء الأمَة لا يتقاسمون إرثه مع أبناء السيدة. تُسرّح الأمَة مع أبنائها (شريعة 171).
لكن الأمر اللافت، أن نص سفر التكوين ينسب إلى (الرب) تأييده لمنطق سارة!: «ورأت سارة ابنَ هاجر المصرية الذى ولدته لإبراهيم يمزح. فقالت لإبراهيم: اطرد هذه الجارية وابنها، لأن ابن هذه الجارية لا يرث مع ابنى إسحاق. فقَبُح الكلام جدا فى عينى إبراهيم لسبب ابنه. فقال الله لإبراهيم: لا يقبح فى عينيك من أجل الغلام ومن أجل جاريتك. فى كل ما تقول لك سارة اسمع لقولها. لأنه بإسحاق يُدْعى لك نسل» (التكوين 21، 9-12). وبذا اكتسب التأسيس لعملية الفرز الطبقى، ومن ثم، الطرد، والحرمان من الميراث، بل وحتى من نسل إبراهيم، سندا قويا، بموجب النص التوراتى.
• • •
أما فيما يخص الصفة الثانية، التى أرادت المصادر اليهودية إلصاقها بإسماعيل، ألا وهى صفة البداوة وعدم التحضر، فإن سفر التكوين، أيضا، هو أول من أشار إليها: «فبكّر إبراهيم صباحا وأخذ خبزا وقربة ماء وأعطاهما لهاجر(...) وصَرفها. ومَضت وتاهت فى برية بئر سبع» (التكوين، 21، 14): «وكان الله مع الغلام فكبر، وسكن فى البرية (...) وسكن فى برية فاران» (التكوين 21، 20-21). يقول الرابى، يوحنان: «نشأ الجميع (يعنى إسحاق ونسله) فى مناطق حضرية أما هو (أى إسماعيل) فقد نشأ فى البادية».
حسنا. إذا كان إسماعيل نشأ فى البرية نشأة بدائية، غير متحضرة، فما المناطق الحضرية، التى نشأ فيها أخوه، إسحاق، إذا؟ هل نشأ فى الغرب (المتحضر)، ودرس فى هارفارد؟! ألم ينشأ فى البيئة، ذاتها؟ ألم يسكن هو وإسماعيل، طبقا لنص التوراة، فى مناطق متجاورة؟ ألم يدفنا، سويا، أباهما، إبراهيم؟: «وأسلم إبراهيم روحه ومات (...) ودفنه إسحاق وإسماعيل ابناه فى مغارة المكفيلة فى حقل عفرون بن صوحر الحثى…». (التكوين، 25، 9). إن تركيز السفر على نشأة إسماعيل، دون أخيه إسحاق، فى بيئة بدوية هو ما طوره المستشرقون، لاحقا، فى كتاباتهم عن العرب ووصفهم بالتخلف، والبداوة.
• • •
أما فيما يخص الصفة الثالثة، التى أرادت المصادر اليهودية تكريسها وترسيخها، فهى صفة مزيج من العدوانية، والوحشية، والهمجية، والحيوانية، والشر. فيما يتعلق بصفة (العدوانية) أشار سفر التكوين إلى أن إسماعيل نشأ نشأة عسكرية: «وكان الله مع الغلام (إسماعيل) فكبر، (...) وكان ينمو رامى قوس. (التكوين 21، 20). تشير «فصول الرابى إليعزر»، بكتاب «الزوهر»، أهم كتب التراث الصوفى اليهودى، فى تفسيرها للنص التوراتى، إلى أن إسماعيل كان «يرمى إسحاق بالسهام، وهما يلهوان سويا فى الحقل، بهدف قتله». وورد فى الفصول ذاتها بالكتاب نفسه: «وكان الرابى يشمعئيل يقول: «سيصنع بنو إسماعيل فى الأرض (إما فى أرض فلسطين بخاصة، أو فى الأرض بعامة) فى المستقبل، فى آخرة الأيام، ثلاث حروب بها هرج ومرج». والهرج والمرج، بحسب المعاجم، هو القتل الشديد.
وفيما يتعلق بصفة الوحشية، والهمجية، والحيوانية، يقول سفر التكوين: «وقال لها ملاك الرب (لهاجر): ها أنت حُبلَى، فتلدين ابنا وتَدْعين اسمه إسماعيل(...) وإنه يكون إنسانا وحشيا، يده على كل واحد ويد كل واحد عليه…». (التكوين 16، 12).
يفسر الحاخام، شمعون بن لاكيش، النص على النحو التالى: «من المؤكد أنه وحشى لأن الكل يسلب أموالا وأملاكا أما هو فيسلب أرواحا»؛ ويقول الحاخام شلومو يتسحاقى: «معنى إنسان وحشى، أنه يهوى صيد الحيوانات فى الصحراء، ومعنى «يده على كل واحد» أنه قاطع طريق، ومعنى «يد كل واحد عليه» أن الكل يكرهه ويستفزه».
ويفسر الحاخام، موشيه بن نحمان، النص بقوله: «سيكون إنسانا وحشيا ذا دراية بالصحراء، يمتهن اصطياد الفرائس، ويفترس كل شىء، وأن الكل سيفترسه، وأن نسله سينشأ فى حروب مع كل الشعوب». ويقول الحاخام، ميخائيل لصرى: «صفة الإنسان (لدى إسماعيل) صفة شكلية فقط، أما الجوهر فهو الوحشية. هو يبدو فى صورة إنسان، لكنه فى حقيقة الأمر وحش».
فيما يتعلق بصفة الشر، فإن دعاء «أغث إسرائيل»، الذى يُتلى ضمن «تسابيح الاستغفار» خلال الأيام العشرة ما بين رأس السنة اليهودية وعيد الغفران، التى تعرف فى اليهودية باسم «الأيام العصيبة» أو «أيام التوبة العشرة»، يرد التوسل: «أغثهم (بنى إسرائيل) على شهود الأعيان، فلا يتسلط عليهم أشرار، وأبِدْ سعير وصهره واجعل لصهيون من يغيثهم. لأنك واسع المغفرة وصاحب الرحمات». المقصود بالأشرار، فى النص، هم الأدوميون، الملقبون بـ«سعير»، وذرية إسماعيل، صهر «عيساو» أبى الأدوميين.
• • •
ثمة أدعية عديدة، لا حصر لها فى التراث الدينى اليهودى، لإبادة ذرية إسماعيل. إننى أهيب بالمتخصصين فى دراسات الاستشراق العناية بالمصادر اليهودية كافة والتبحر فى دراستها وإعادة قراءتها بعين عربية، بمعزل عن قراءة المستشرقين لها.

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

يحيى عبدالله أستاذ الدراسات الإسرائيلية بجامعة المنصورة
التعليقات