الالتـزام - أحمد مجاهد - بوابة الشروق
الإثنين 6 يناير 2025 10:48 م القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

الالتـزام

نشر فى : الأربعاء 25 فبراير 2009 - 2:27 م | آخر تحديث : الأربعاء 25 فبراير 2009 - 2:28 م
الالتزام الأخلاقي هو ما ينبغي عمله دون قسر، ويصدر عن طبيعة الإنسان من حيث هو كائن قادر على الاختيار بين الخير والشر. أما في الفلسفة فإن سارتر هو أول من استخدم مصطلح الالتزام بوصفه ارتباطا بتعديل الحاضر لبناء المستقبل لا يتحقق إلا بالحرية .

وقد ارتبطت كلمة الالتزام ارتباطاً وثيقاً بالأدب تارة عبر الشكل وأخرى عبر المضمون، فعلى مستوى الشكل الفني نجد أن أبا العلاء المعرى قد ألف في العصر العباسي ديواناً يحمل عنوان " لزوم ما لا يلزم " وهو المعروف باللزوميات، وفيه يلزم الشاعر نفسه بتكرار عدد من الحروف الثابتة في نهاية كل بيت شعري في القصيدة أكثر من التي تتطلبها قواعد القافية في الشعر العربي، حيث يكرر –مثلاً- أربعة أحرف متماثلة في نهاية كل من البيتين التاليين :

لم يَقْدِرُ الله تهذيباً لعالمنـــــــا
فلا تَرُومََّنَّ للأقوامِ تهذيبـــــــاً
ولا تُصَدّقْ بما البرهان يبطله
فستفيد من التصديق تكذيباً

وهذا الالتزام الفني ينتمي في دائرة اللغة إلى قولهم رجل " لُزَمَةُُ " أي يلزم الشيء فلا يفارقه
أما ارتباط الكلمة بالأدب عبر المضمون فينتمي في اللغة إلى استخدام الالتزام بمعنى الاعتناق، حيث يتطابق هذا المعنى اللغوي للكلمة مع الاستخدام الأدبي للمصطلح في العصر الحديث، فالأديب الملتزم كما يقول محمد مندور هو المقدر لمسئوليته إزاء قضايا الإنسان والمجتمع في عصره، حيث يعتبر فنه وسيلة لخدمة فكرة معينة لا مجرد تسلية غرضها الوحيد الاستمتاع بالجمال.

وعلى الرغم من ارتباط الالتزام الأدبي ارتباطاً وثيقاً بالمذهب الواقعي في الإبداع، فإن التيارات السياسية المتشددة في أقصى اليسار -وفى أقصى اليمين أيضاً- قد استغلت هذا المفهوم لتسخير الأدباء في الدعاية لأفكارهم مقابل الترويج لهم بوصفهم الأدباء الأكثر تميزاً، مما تسبب في إهدار دماء المستوى الفني للنصوص في ساحة المنفعة السياسية، وهذا ما دفع سارتر إلى القول بأنه في أدب الالتزام يجب ألا ينسينا الالتزام الأدب في كل الأحوال . ودفع هنري لوفيفر في كتابه " ما الحداثة " إلى الإشارة في سياق حديثه عن " سسيولوجيا السأم الحديث" إلى افتضاح الطابع الدعائي المسطح والمصطنع، للنزعة التفاؤلية سواء الاشتراكية أو الأمريكانية .

وقد كان أوج تأثر بعض المبدعين المصريين بهذا الاتجاه في ظل المد الاشتراكي بالستينيات، مما أنتج مجموعة من النصوص ذات الطابع الدعائي المباشر حتى لدي بعض الشعراء الكبار أحياناً مثل قصيدة " أغنية إلي الاتحاد الاشتراكي " للشاعر أحمد حجازي الذي حول عنوانها في طبعة تالية إلى " أغنية لحزب سياسي " قبل أن يرفع النص بكامله في طبعة أحدث .

لهذا فقد ركزت جماعات الكتابة الجديدة ومنها إضاءة 77 مثلاً في بيانها التأسيسي على حتمية " توارى المضمون الثوري خلف التشكيل الجمالي " لكن هذا لم يمنع الشاعر محمود نسيم مثلاً الموقع على البيان من أن يكتب قصيدة بديوان " السماء وقوس البحر " المطبوع في كتاب إضاءة يقول فيها :

أيها المتوجهون إلى معارضتي
تقمصمت افتراضاً مذهبيـاً
واعترضت على القرار
وكان مضمون القصيدة حاملاً صفة الصراع،
وها رفعت يدي مصوتاً على الشعـار
يا عمال العالــــــــــم، اتحـدوا

وربما يمثل مقطع القصيدة السابق الذي يكرس دعائياً لمقولة ماركس الشهيرة مفارقة مدهشة مع قول المفكر الماركسي الكبير غرامشى نفسه " إن الفن هو معلم من حيث كونه فناً وليس لكونه فناً معلماً، لأنه في هذه الحالة يصبح لا شيء ولا يمكن أن يعلم شيئاً"، فما يجوز في الخطاب السياسي لا يجوز في الأدب.

 

التعليقات