كانت صورة السيد المستشار وزير العدل الموقر فى مجلس الشعب الموقر وهو يقزقز اللب الموقر.. صورة محزنة بالفعل!
وقد أصبحت أسباب الحزن فى هذا البلد كثيرة ومتعددة!
بداية..المجالس أنواع.. مجلس الأنس مثلا تقبل فيه النكتة والقفشة والغنوة والرقصة، ومجلس «التحشيش» تقبل فيه التعميرة الحلوة سواء كانت مغربية أو لبنانية، أما الحشيش الأفغانى الطلبانى فإنه زينة المجالس ودليل على مكانة من يحمله، فى مجلس التحشيش هذا يختلط السعال الخشن بالضحك الوقح على إثر النكات الفجة والغليظة..
وبدون كل هذا يصبح اجتماع مجلس التحشيش هذا باطلا ومجلس النميمة يكون فى أشد حالات التوهج إذا كانت نسبة الأعضاء خمسين فى المائة رجالا وخمسين فى المائة نساء..
فى هذه الحالة يكون المجلس مثل شجرة سكنتها العصافير.. تختلط الحقائق مع الشائعات مع الأكاذيب، وتكون النتيجة المحتومة كارثة أخلاقية تؤثر فى كل من حولها.. وفى مجالس «التسالى» وهى عادة ريفية فى الأصل ومحلها المختار «المصاطب» حيث يجلس عضو المجلس على راحته تماما يدخن إذا أراد.. يطلب المزين يحلق له دقنه زى بعضه.. يطلب لبشة قصب ويمص فيها مع بداية أعضاء مجلس المصطبة فلا يوجد أى مانع.. ياكل فول حراتى.. يقزقز لب.. يلعب طاولة.. يلعب فى أى حاجة.. كل هذا مباح فى مجالس التسالى فوق المصاطب.
أما المجالس الموقرة فشىء آخر.. منها على سبيل المثال لا الحصر.. مجالس القضاء.. مجالس العلم.. مجالس التفقه فى الدين.. مجالس الوزراء.. وأيضا المجالس النيابية.. وهذه المجالس لها تقاليد ثابتة وصارمة، الخروج عليها يعتبر انكسارا وهوانا.. هل رأيتم أو سمعتم عن أحد القضاة يدخن وهو جالس على منصة القضاء. أو يسمع المرافعات الشفهية وهو يتسلى بمضغ لبانة..؟! هل يدخل أستاذ الجامعة قاعة المحاضرات حاملا كوبا من الشاى أو الينسون طلبا لنقاء الصوت.. هل يتم توزيع قطع الشيكولاتة أو الملبس على أعضاء مجلس الوزراء؟!..
أنا شخصيا لا أستبعد ذلك فى ظل حالة الهوان والتردى والتدنى السائدة الآن.
والحقيقة أنا لا أعتب على السيد المستشار وزير العدل الذى رصدته عدسة مصور صحفى حاذق.. فقد سبق اصطياد الدكتور أحمد نظيف رئيس الوزراء فى نفس الموقف ونفس الفعل.. وقد شاهد أهل مصر كلهم وعلى شاشة التليفزيون المصرى الأستاذ الدكتور مفيد شهاب وهو يجهد نفسه أثناء الدفاع عن الحكومة، بينما العضو الذى يجلس إلى جانبه والعضو الذى يجلس خلفه مباشرة وهما يأكلان شيئا ما ولأن الكاميرا كانت على السيد الدكتور وهو يتحدث فإنها كشفت ما يدور خلفه وإلى جواره.. وكانت حركة الفم أثناء المضغ مملة ومقززة..
ولأنه المجلس الموقر الذى يشرع للأمة.. ويراقب الحكومة التى ترعى مصالح الشعب.. ويحمل قضايا الناس على كاهله.. وكل السادة الأعضاء المفروض أنهم من أصحاب المكانة والاحترام بدليل أنهم فازوا فى انتخابات شريفة ونزيهة ونظيفة وعفيفة..
والمفروض أيضا أنهم يعرفون ما يجوز وما لا يجوز.. فالذى يجوز فعله على المصطبة أو فى مجلس الأنس لا يجوز فعله فى أى مجلس موقر منوط به أهم وأنبل المهام ــ والمسألة باختصار أن السيد وزير العدل ومن قبله السيد رئيس الوزراء وجد اللب فقزقز وكل من وجدوا اللب قزقزوا إذن الحكاية ليست جديدة بل هى قديمة وأصيلة ولها جذور فى المجلس الموقر ــ وهى الآن عادة غير مذمومة ومصرح بها وتجد ترحيبا بحيث يقبل عليها السادة الأعضاء والسادة الوزراء..
ويقال.. وكما سمعت من شخص أثق به إن أحد السادة الأعضاء الكرام من أهل الصعيد يأتى إلى المجلس محملا باللب والفول السودانى نوع بالملح ونوع خالى من الملح.. وفى بعض الأحيان يكون اللوز والجوز والفستق وأنواع البلح الفاخر.. وتبدأ الأفواه فى طحن وهرس وعجن بضائع «المقلة» الكائنة بشارع قصر العينى والقريبة من المجلس الموقر، وبنفس الطريقة التى نطحن ونهرس ونعجن بها القوانين.؟ ويقال ــ والله أعلم ــ إن الدكتور سرور شخصيا سبق له أن تعاطى الفول السودانى ولكن خارج قاعة المجلس..
وأنه يخشى حظر اللب وغيره فيكون قراره بالحظر غير دستورى.. رغم أنه مؤمن تماما بأن مثل هذه الأمور التافهة والصادمة تظهر المجلس الموقر فى صورة هزلية لا تتسم بالجدية وتفقده المصداقية وتظهر أن أغلب الأعضاء ليسوا على مستوى المسئولية وأنهم يوافقون كما يقزقزون.
وقد سألت الصديق الذى كشف لى سر النائب الصعيدى الكريم..
لماذا استمر النائب فى توزيع اللب والفول السودانى فقال الصديق: لقد حاول أن يدخل القاعة حاملا «سباطة موز» ولكنه فشل فى ذلك نظرا للحجم والوزن.. وعندما سألته أيكون الموز بديلا عن اللب السودانى؟
فنظر إلىّ بدهشة شديدة وهز رأسه قائلا «كنت فاكرك ذكى» وفهمت أنه يتهمنى بالغباء، فاستمررت على ما أنا عليه وسألته: لماذا لا يرفض السادة الأعضاء والسادة الوزراء هذه المنحة الكريمة التى تجلب معها القيل والقال خصوصا فى حالة رصدهم بالكاميرات التى تفضح.. فقال: لأنهم إن لم يقزقزوا ناموا.. قلت له السؤال الأخير: أين يذهب قشر اللب؟!.. فقال الصديق دون أن يراعى الصداقة أو حتى فارق السن.. أما صحيح غبى.. أمال القوانين اللى بتطلع كل يوم دى إيه؟!
ولأنه السؤال الأخير.. فقد التزمت الصمت.