الشائع عن القافية أنها الحرف الأخير المتكرر في نهاية أبيات الشعر العمودي، والحقيقة في علم العروض أنها مجموعة الأحرف التي تبدأ من آخر ساكن في القصيدة حتى أول متحرك قبل الساكن الذي يليه، أما الحرف الذي تبنى عليه القصيدة فاسمه " الروى" ولا يكون الحرف الأخير من البيت بالضرورة ، وسمى روياً لأنه مأخوذ من الروية وهى الفكرة لأن الشاعر يتفكر فيه، أو مأخوذ من الرواء وهو الحبل الذى يضم به شيء إلى شيء لأنه يضم أجزاء البيت ويصل بعضها ببعض .
وقد كانت القافية من أصعب المشاغل التي تقابل الشاعر عند كتابة قصيدته وبخاصة إذا طالت، لأن تكرار الكلمة التى تأتى فى نهاية البيت مرتين فى القصيدة الواحدة غير مستحب، ويعد عيباً من عيوب القافية إذا كان هذا التكرار قبل سبعة أبيات على الأقل، ويسمى هذا العيب بــ ( الإيطاء) وقد سمى بذلك لما فيه من تواطؤ الكلمتين وتوافقهما لفظاً ومعنى.
لهذا كان الشعراء يتفاخرون منذ العصر الجاهلى بأنه لا صعوبة لديهم فى البحث عن كلمات للقافية، كما فى قول امريء القيس :
أذود القوافى عنى ذيادا ذياد غلام جرىء جـــــرادا
فلما كثرن وأعيينـــــــــــه تخيرت منهن شتى جـيـــادا
فأعزل مرجــانها جانبـــــاً وآخذ من درها المســتجادا
حيث يقول الشاعر إنه لا يبحث عن القوافى بل هى التى تتزاحم عليه، وهو يدفعها عن نفسه بقوة وجسارة، حتى إذا غلبته تخير منها مجموعة كبيرة من الكلمات الجيدة، ليعيد فرزها مرة أخرى عند الكتابة مفضلاً الأروع والأجمل. والروى الذى بنيت عليه القصيدة فى الأبيات السابقة على سبيل المثال هو حرف الدال وليس الألف، لأن الروى لا يكون حرفاً من حروف المد.
والأمر نفسه يتكرر مع المتنبى شاعر العربية الكبير الذى كان يفتخر بأن القوافى الشاردة تأتى إليه وهو نائم دون عناء، بينما يسهر الشعراء الآخرون بحثاً عن كلمات مناسبة للقافية، وربما تخاصموا بعد هذا الجهد المضنى بسبب خلافهم حول مدى صحتها اللغوية :
أنام ملء جفونى عن شواردها
ويسهر الخلق جَرَّاها ويختصمُ
أما تسمية القافية نفسها فهى مأخوذة من كلمة قفا وهى مؤخرة العنق، وقيل إنها سميت بهذه التسمية لأنها تقفو البيت الشعرى أى تأتى فى نهايته، وقيل أنها من قفاه واقتفاه بمعنى تبعه لأن بعضها يتبع أثر بعض فى أبيات القصيدة، والقول الأول أولى لأنه توجد قافية حتى فى البيت المفرد.
وقد بدأت الثورة على القافية فى الشعر الأوروبى قبل الشعر العربى بوقت طويل، حيث بدأت فى الشعر الإنجليزى على وجه الخصوص منذ القرن السادس عشر بظهور الشعر المرسل الذى يلتزم بالوزن التقليدى دون القافية، كما فعل شكسبير ووردزورث وميلتون فى ملحمتيه الشهيرتين الفردوس المفقود والفردوس المسترد.
ثم ظهر الشعر الحر الذى ابتدعه الشاعر الفرنسى لا فونتين فى القرن السابع عشر بنظمه حكايات الحيوان فى أبيات ذات أطوال مختلفة وقواف متباينة، وقد عاش الشعر الحر عصره الذهبى منذ عام 1886 حيث ازدهرت المدرسة الرمزية فى الشعر التى اعتمدت على تجنيس الأصوات بدلاً من القافية ، وعلى الإيقاع بدلاً من الوزن، ويعتبر جوساف كان النموذج الأعلى لمميزات هذا الشعر فى المدرسة الرمزية الفرنسية 0
أما الشعر العربى فى ظل تراثه العمودى الزاخر فلم يستطع الثورة على القافية إلا فى خطوات متدرجة فى العصر الحديث بداية من جماعة أبو للو الرومانسية، ومروراً برواد الشعر الحر، وانتهاء بشعراء قصيدة النثر. وقد كان الشعر العربى فى هذه الخطوة متأثراً بالنموذج الغربى من جهة ، ومحاولاً الاستجابة لروح العصر المتمردة التى لا تكبحها حدود القافية من جهة ثانية، ومنتقلاً بالشعر العربى من الغنائية الخالصة إلى ساحة الدرامية من جهة ثالثة.