الرومانسية الفلسفية اتجاه ذاع في نهاية القرن الثامن عشر في ألمانيا، يعتمد على إطلاق الموقف الفردي، وإثارة الشعور في أغمض صوره، والاعتقاد بلا نهائية الوجود ولا نهائية التقدم في التاريخ، ومن الفلاسفة الرومانسيين نتشه وهيجل وشوبنهور.
وهى في علم النفس حالة نفسية أهم خصائصها زيادة الحساسية وعدم القناعة بما يمليه العقل والحكمة، ويندرج تحت هذا المعنى أزمات الإرادة، والقلق، والإفراط في الاهتمام بالذات، وحدة الانفعالات والرغبة في الهروب من الواقع الحاضر.
أما الرومانسية الأدبية فهي مدرسة في الشعر والنقد ظهرت بإنجلترا في العقد الأخير من القرن الثامن عشر تحت قيادة كولردج ووردزورث واستمرت حتى منتصف القرن التاسع عشر. ولم يحظ تيار أدبي بجدل عميق وانقسام في الرأي حوله مثل الرومانسية، فقد وقعت منذ ظهورها بين فكي رحى الهجوم عليها كما في قول "جوته" الرومانسية مرض والكلاسيكية صحة، و" فيليبس" : سوداوية عاطفية وتشوف مبهم "وبرونتيير" :
هي اضطراب الخيال وموجة عمياء من الغرور الأدبي، والدفاع عنها كما في قول "ستندال" : إن كل كاتب عظيم كان رومانسياً في عصره، ولم يتحول إلى كلاسيكي إلا بعد موته بزمن طويل، "وهيرفورد" : تطور يفوق المألوف لحساسية الخيال ، و " كير" : الطريقة السحرية للكتابة.
كما أن الهجوم الذي لاقته الرومانسية في بداية ظهورها يكاد يعادل الهجوم الشرس الذي لاقته قبيل نهايتها، مما وضع أتباعها بأنحاء العالم كافة في موقف حرج أحوجهم للدفاع عن مذهبهم الفني حتى في قصائدهم الشعرية كما فعل محمود حسن إسماعيل في قصيدته " هكذا أغنى " والتي يقول في مطلعها:
إن تسل في الشعر عنى هكذا كنت أغنـــــــــــــى !
لا أبالى أشجى سمــــــ عك أم لم يشج لحنـــــى !
هو من روحي لروحي صلوات ، وتغَنـــــَّــــــــــــى
إنها المواجهة الأولى بين المبدع والمتلقي في الشعر العربي، وقد بدأها الشاعر مصرحاً بأن هذا هو أسلوبه في الكتابة سواء أعجب المتلقي أم لم يعجبه، فشعره ذاتي صرف يعبر عما بداخل قلبه الذي:
لم يصب من دهره غيـــر جحود وتجنــــــــــــــــى
فانبرى يعصف في دنياه بالشدو المــــــــــــــــــرَّن
زاجلاً تذكى صــــــــــداه نار أيامي وحزنـــــــــى
إن ترد منه سلــــــــــــــواً عن أساه، فامضي عنــى
فالشاعر يبرر لقارئه الأسباب الاجتماعية للحزن الكامن في قصائده مشترطاً عليه قبولها أو الانصراف عن شعره جملة ، وذلك قبل أن يتوجه مدافعاً عن مذهبه الفني الذي لن يغيره :
مذهبي؟ لا مذهب اليــــو م سوى أصداءِ لحني
ولها الخلد ولــــى فـــــــى ظلها سحر التغنـــــــى
قد وهبت الفن عمــــــرى ووهبت الشرق فنـــــى
فليلم من شاء إنـــــــــــــى راسخ كالطود جنــّـى
ويتضح من هذه الأبيات أن قصيدة الشاعر التي بدت في ظاهرها متعالية على المتلقي هي في حقيقة الأمر دفاع معتد بنفسه عن لوم سابق للشاعر على تمسكه بالمذهب الرومانسي، حيث يصرح بأنه قد وهب عمره للإبداع، ووهب إبداعه للشرق أي للمتلقي الذي يراهن على أنه سوف يخلد هذا الإبداع بعد موته، وذلك قبل أن يصرح باستعطافه للمتلقي طالباً عفوه في نهاية القصيدة:
ما أنا إلا كظــــــــــل لشعوري فأعفُ عنــــــــــــى
أما في الجزائر الشقيقة بلد المليون شهيد فقد كانت الثورة في أوجها والشاعر الرومانسي أبو إلياس لا يكتب قصائده إلا في الغزل، فلما قالوا له : الشعب يموت كل يوم دفاعاً عن الوطن وأنت لا تكتب إلا فى الحب، ألم تسمع عن ضرورة التزام المبدع بقضايا مجتمعه؟ وكانت حبيبته فى هذا الوقت تدعى " فاظو" فكتب قائلاً :
فاظو أرضى، وموطني مقلتاها إن التغني بمقلتيها التزام