المفترض نظريا أن الدكتور محمد البرادعى فرصة حقيقية لإيجاد نوع من الوفاق الوطنى حول مشروع محترم للتغيير.. ويفترض كذلك أنه عنصر لتجميع القوى الوطنية بشكل منظم وممنهج فى محاولة لصناعة هذا التغيير.
غير أن المفترض شىء وما بدأ يلوح فى الأفق شىء آخر، وأكاد ألمح مقدمات ما يمكن أن يتطور إلى سباق محموم، وربما نزاع، بين قوى وتيارات للفوز بتوكيل البرادعى فى مصر، والأخطر من ذلك أن ثمة مهارشات صغيرة ومحاولات إزاحة وإقصاء من قبل أطراف، لأطراف بعينها بدأت تظهر.
وأخشى فى غمرة الاندفاع العاطفى لاحتلال مكان بارز فى الصور التذكارية مع البرادعى أن يدوس بعضهم على قيم ومبادئ أخلاقية محترمة، وكأنهم فى سباق على حصد ثمار شجرة فاكهة لم تزرع بعد فى التربة المصرية، أو كأنهم يتسابقون على حجز الطوابق المميزة فى بناء فاخر لم توضع أساساته حتى هذه اللحظة، ومازلنا ــ فى أفضل الأحوال ــ فى مرحلة اختبار التربة أو الحفر العميق.
وأظن ــ وكثير من الظن ليس إثما ــ أن أطرافا داخل الجماعة الوطنية تدخل مهرجان البرادعى طلبا للتغيير، ولها فيه مآرب أخرى، أخشى أن أقول إن من بينها تصفية حسابات وإدارة صراعات صغيرة تحت لافتة كبيرة وعريضة اسمها «مستقبل مصر».
ولو صح ما أعلنه منسق عام حركة «كفاية» الدكتور عبدالحليم قنديل من أن أطرافا تجاهلت توجيه الدعوة إلى كفاية كحركة، والاستعاضة عن ذلك بدعوة أفراد يجمعون بين عضويتها وعضوية حركات أخرى، لحضور اللقاء الأول مع البرادعى والذى انتهى بتدشين جمعية وطنية للتغيير، فإننا نكون أمام سباق مضحك على حجز المقاعد الأمامية فى مسرح السياسة فى مصر خلال الفترة المقبلة، والخطورة الحقيقية أن ذلك من شأنه إحداث ثقوب صغيرة فى الثوب الجديد، نتمنى ألا تتطور إلى خروق لا ينفع معها الرتق.
وأزعم أن على الدكتور البرادعى ــ إذا كان قد حسم أمره وقرر أن يكون شريكا ومشاركا ــ أن ينتبه إلى أن هناك من قفز فى سفينة التغيير لأهداف شخصية ضيقة، وربما لن يتورع بعضهم عن إحداث ثقب فى السفينة إذا اكتشفوا أنهم لم يحصلوا على ما يرونه نصيبهم المستحق من «تورتة التغيير».
غير أن الأهم من كل ذلك ألا يستسلم البرادعى، أو بالأحرى يستعذ
ب ويطرب، لتلك الأصوات التى تردد على مسامعه أناشيد التمجيد والتفخيم، نكاية فيما هو قائم، فمن شأن ذلك أن يقيم جدارا عازلا بينه وبين الواقع الفعلى.
أما أولئك الذين يعتبرون مناقشة البرادعى ومجادلته، وربما مساءلته ضربا لفكرة التغيير وشقا للجماعة الوطنية، وارتماء فى أحضان المعسكر الآخر فهؤلاء للأسف أخطر على البرادعى من «الدببة» و«المجاذيب» وقاه الله وإيانا شرور حبهم القاتل والمدمر.