حماس بعض الشباب لتحقيق مزيد من الإنجازات بعد نجاح الثورة من خلال التظاهرات له ما يبرره بالنظر إلى التاريخ الطويل لاستبعاد الشباب، وعدم اكتمال كل مطالب الثورة. فمازال هناك مطلب أساسى هو وضع دستور جديد من خلال جمعية تأسيسية فى مرحلة انتقالية مدتها سنة على الأقل، تقود البلاد خلالها حكومة انتقالية.
كما أن خوف الكثيرين من استمرار الشباب فى تصعيد مطالبهم واستمرار حالة عدم الاستقرار له ما يبرره أيضا بالنظر إلى تصور بعض الشباب أن بإمكانهم تحقيق كل ما يريدونه وامتداد بعض المطالب إلى أمور لا علاقة مباشرة لها بآمال الشباب وطموحاتهم. فطبيعى أن يتحدث طلاب الجامعات عن اتحادات الطلبة وعن العمل السياسى داخل الجامعات، لكن ليس منطقيا أن يصر بعض الطلاب على طريقة معينة لاختيار العمداء مثلا.
هذه الأمور تتصل بمسألة الوعى فى المقام الأول. فهناك حاجة ملحة لبرامج توعية وتثقيف سياسى مكثفة لتوعية الشباب، وغير الشباب، باستحقاقات المرحلة الانتقالية خاصة فيما يتصل بأهمية بذل كل الجهود لإقامة دولة المؤسسات والنظام الديمقراطى. فبدلا من تصور بعض الشباب أن عليهم الاستمرار فى حماية مكتسبات الثورة بالعودة إلى ميدان التحرير متى استدعى الأمر، لابد لهم من إدراك، من خلال برامج التوعية، أن الدولة الديمقراطية الحديثة هى دولة المؤسسات التى توفر قنوات سلمية للتعبير عن الرأى ورفع المطالب كالأحزاب والنقابات والمجتمع المدنى، وإدراك أن الحقوق السياسية والمدنية سيكون لها ضمانات تمكن جميع المواطنين من التمتع بحقوق الإضراب والتظاهر السلمى تماما كما ستلزمهم بمجموعة من الواجبات فالديمقراطية مسئولية فى المقام الأول.
كما أن تخوف الشباب من عودة تسلط النخب والقيادات داخل الأحزاب والمؤسسات وإعادة النظام القديم بأشكال جديدة أمور لابد من توضيحها عن طريق إدراك أن النظام الديمقراطى المنشود يستلزم ضمانات فعالة لمبدأ حكم القانون واستقلال القضاء والتداول على السلطة، وضمانات أخرى لتفعيل أدوات الرقابة السياسية والقضائية والمالية، وإدراك أن الديمقراطية لا تقوم إلا بتعزيز المشاركة والتخلى عن السلبية. وهذه أمور ترتبط بالأساس بوعى المواطنين لحقوقهم وقيامهم بالدفاع عنها عبر كل القنوات الشرعية.
تحتاج مصر، خلال هذه المرحلة الحاسمة من تاريخها، إلى إنشاء هيئة وطنية للتعليم المدنى، تقدم برامج تربية سياسية مكثفة تستهدف إعادة الثقة بين المواطنين والسياسة بشكل عام، وتعيد الثقة بين المواطنين وجهاز الشرطة، وترسخ المعانى الإيجابية لمفهوم السياسة والتى تتضمن، فى اللغة العربية، معانى مثل الإصلاح والرعاية.
بجانب تأهيل المواطنين سياسيا ومساعدتهم فى استيعاب ما تمر به مصر الآن، وإكسابهم المعارف والمهارات الضرورية لتمكينهم من المشاركة الفعالة فى النظام الديمقراطى وبناء نهضة شاملة طال انتظارها.
هذه البرامج لابد أن تهتم بإزالة كل الآثار السلبية التى خلفتها عمليات التضليل التى مارسها أقطاب النظام السابق، وتكشف حقيقة عمليات غسيل المواقف التى يقوم بها بعض مؤيدى النظام السابق الآن.
بالإضافة إلى قيام الهيئة بالإشراف على تصميم مقررات دراسية لمختلف مراحل التعليم فى مجالات التربية المدنية وحقوق الإنسان وواجباته.
ويمكن هنا استخدام كل طرق التعليم كالمحاضرات والندوات وورش العمل والدورات التدريبية والزيارات الميدانية، كما يمكن استخدام كل الوسائل لإتاحة المواد التعليمية لأكبر عدد من المواطنين كالكتب والصحف والأدلة والمواد الإلكترونية وغيرها. وهناك هيئات دولية كثيرة يمكن التعاون معها فى هذا المجال.
مصر بعد الثورة فى حاجة إلى جهود كبيرة لإيجاد المواطن المسئول، أى المواطن المهتم بقضايا مجتمعه، والمدرك لمسئوليته الاجتماعية، والقادر على المشاركة فى الشأن العام.