كارمن - عماد الغزالي - بوابة الشروق
الجمعة 13 ديسمبر 2024 5:48 ص القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

كارمن

نشر فى : الإثنين 26 مارس 2012 - 8:00 ص | آخر تحديث : الإثنين 26 مارس 2012 - 8:00 ص

منحنى صوتها البديع فرصة للهروب من كل هذه الخيبة التى نحياها، وليذهب ألتراس الأهلى والمصرى وخلافات تأسيسية الدستور ولجنة المائة إلى الجحيم، فهذا كله زبد سيذهب جفاء، أما موهبة كارمن وشخصيتها وحضورها ووجهها الجميل الرائق، فهو ما ينفع الناس ويمكث فى الأرض.

 

لا تسارع باتهامى بأننى أحلق فى الفراغ، أو أننى أترك الأهم للأقل أهمية، أو لما ليس له أهمية على الإطلاق (حسب موقفك من الفن والغناء)، فأنا مثلك أبحث عن طاقة ضوء فى عتمة سجالاتنا الموحشة، والتى يغذيها «إعلام عضة الكلب»، وتنفث فضائيات الفتنة فيها سموما جديدة،كلما خبت نارها أو أوشكت.

 

كارمن سليمان هى الصبية المصرية التى فازت بلقب «محبوب العرب» فى المسابقة الغنائية الكبرى التى استمرت عدة أسابيع على شاشة الـ«إم بى سى»، عمرها سبعة عشر عاما، لكن موهبتها أكبر بكثير، وما تعدنا به يتجاوز حتى ما تستطيعه هى، إنها تمنحنا فرصة «تعديل المعوّج»، إن كنّا نتحدث فعلا عن ثورة قامت على ضفاف النيل، فرصة لاستعادة قدرتنا على السماع وتنقية أرواحنا وعقولنا مما علق بها، فرصة لتخليص ثقافتنا من نفايات بعرور والعمدة والصغير والبرنس، وأغانى الدخان الأزرق والنص التحتانى والعسلية والعبد والشيطان.

 

إيّاك أن تقلل من شأن هذه «التفاهات» وقدرتها على التأثير فى حياة الناس، فهذا هو ما يخلق المزاج العام ويرسم مساراته، وتذكّرأن أغانى الميكروباص وصياحات الغرز والغفلة، شاعت فى الوقت ذاته الذى راجت فيه كاسيتات عذاب القبر والثعبان الأقرع وأهوال القيامة وأحاديث الجن والعفاريت وشماريخ مشجعى كرة القدم، حتى وصلنا إلى إعلان بورسعيد مدينة مستقلة.

 

تذكّر أن ثورة 1919 فشلت فى إجلاء الإنجليز عن مصر، لكنها تركت لنا نجيب محفوظ وتوفيق الحكيم وطه حسين والعقاد والزيات ومحمد مندور وسلامة موسى والمازنى وعبدالوهاب وأم كلثوم وسيد درويش، وغيرهم من منصات الإشعاع الثقافية المهمة والملهمة، ممن واصلوا عطاءهم لسنوات طويلة تالية، وأعطوا لمصر مكانها ومكانتها، فمصر ليست بنايات وشوارع وأهرامات ونيل يشقها، مصر هى ما أنجزه هؤلاء، وبدونه، تصبح بقعة باهتة على خريطة العالم.

 

ما سنفعله مع هذه الموهبة الواعدة سيبرهن إن كنّا على الطريق الصحيح أم لا، ففى خلال العقود الثلاثة الماضية ظهرت مواهب رائعة، لكنها توارت تحت وطأة مناخ فاسد قبيح، تطرد العملة الرديئة فيه العملة الجيدة.

 

كارمن مناسبة للفرح والبهجة، واستعادة روح مصر الحقيقية الوثّابة، واكتشاف طاقاتها المبدعة فى كل ميادين العمل، بدلا من العويل والصراخ والتخوين ونشر غسيلنا القذر على فضائيات البذاءة.

عماد الغزالي كاتب صحفي
التعليقات