شعارات فارغة.. أيديولوجيات مدمرة - هنري سيجمان - بوابة الشروق
الأربعاء 2 أكتوبر 2024 9:24 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

شعارات فارغة.. أيديولوجيات مدمرة

نشر فى : الإثنين 25 مايو 2009 - 9:11 م | آخر تحديث : الإثنين 25 مايو 2009 - 9:11 م

أعرب رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو منذ أن تولى منصبه فى الأول من أبريل الحالى، ووزير خارجيته أفيجدور ليبرمان، عن معارضتهما حل الدولتين لصراع إسرائيل مع الفلسطينيين. ووصم كلاهما هذه الصيغة بأنها شعار فارغ من المضمون والمحتوى. وهو رفض لم يستطع حتى اجتماع نتنياهو بالرئيس باراك أوباما فى واشنطن أن يغيره.

وحتى نعطى الشيطان حقه ــ الشيطانين فى هذه الحالة ــ علينا أن نعترف أنه قد تصادف أنهما محقان، ذلك لأن الحكومات الإسرائيلية السابقة، التى تبنت عملية سلام تؤدى إلى حل إقامة دولتين، حولت هذه العبارة إلى شعار بلا معنى بشكل حقيقى. بل إن الحكومات السابقة كانت قد استخدمت هذا الشعار كورقة توت تغطى التدابير والتوسعات الاستيطانية التى تنفذها فى كل من القدس الشرقية والضفة الغربية بغرض جعل تطبيق هذا الحل مستحيلا.

وكان أولمرت، رئيس الوزراء السابق، قد سعى إلى تلميع أوراق اعتماده التقدمية لدى الرأى العام الغربى، بإعلان أن الفشل فى إقامة دولة فلسطينية ربما يكون نهاية إسرائيل كدولة ديمقراطية. غير أن أولمرت شخصيا هو من وافق على التوسع فى مشروعات البناء فى القدس الشرقية، التى تهدف إلى تفادى مشاركة العرب فى العيش مع اليهود فى القدس، وهى نتيجة يعرف أنها ستؤدى إلى استحالة عقد اتفاق لإنهاء الصراع الدائر والدائم مع الفلسطينيين. كما أنه سمح أيضا بمواصلة التوسع فى المستوطنات فى الضفة الغربية، وهو ما سيحدث التأثير نفسه.

أما تسيبى ليفنى، وزيرة فى حكومة أولمرت، ورئيسة حزب الوسط «كاديما» حاليا، فقد وجهت انتقادات قاسية لنتنياهو بسبب رفضه قيام دولة فلسطينية، وأكدت أن ذلك الرفض ستكون له عواقب كارثية. بيد أنها لم يعرف عنها قط أنها عارضت التدابير التى اتخذتها حكومتها فى القدس الشرقية والضفة الغربية، وكان لها نفس هذه العواقب الكارثية على عملية السلام. ولا يهم هنا ما إذا كان دعم أولمرت وليفنى المزعوم لقيام دولة فلسطينية، صادقا أو مخادعا. لأن خلاصة الأمر هى أنهما إما كانا عاجزين عن مواجهة القوى الإسرائيلية المعارضة للدولة الفلسطينية، وإما متواطئين معها.

وبدون شك، عندما ينتقد نتنياهو وليبرمان شعار الدولتين الذى رفعته الحكومات السابقة، ويدعيان أن لديهما وسيلة أفضل لإنهاء النزاع الإسرائيلى، فهما لا يختلفان عن أسلافهما من حيث الخداع والكذب وارتكابهما ذنب إطلاق الشعارات الفارغة. فهما لا يعارضان شعار الدولتين لكونه مضللا، ولكن لخشيتهما من أن الرئيس باراك أوباما ربما يصر على العكس من الرئيس جورج بوش على أن تعطى إسرائيل الشعار محتوى حقيقيا وتعمل على تنفيذه. فلو كان نتنياهو كان قد خرج من لقائه بأوباما معلنا اعتناقه حل الدولتين، لما استطاع استغلال الشعار بنفس الطريقة التى اتبعها أسلافه.

أما أن الهدف البديل الذى طرحه نتنياهو، أى حل «السلام الاقتصادى»، هو أيضا ليس سوى شعار فارغ مثله مثل الشعار الذى يسخر منه من أجل كسب المزيد من الوقت حتى يصبح المشروع الاستعمارى الإسرائيلى فى الضفة الغربية أمرا لا رجعة فيه. وهو شعار خبيث بشكل خاص، حيث إن عدم حدوث تنمية حقيقية فى كل من الضفة الغربية وغزة ليس نتيجة لفشل الفلسطينيين، ولكنه ناجم عن سياسة إسرائيلية قديمة، متعمدة، لمنع التنمية الاقتصادية الفلسطينية بجميع أشكالها. وقد تولت «أميرة هاس»، الصحفية فى هاآرتس، و«سارة روى»، الباحثة من مركز دراسات الشرق الأوسط التابع لجامعة هارفارد، وآخرون عملية توثيق تلك السياسة وتداعياتها.

وهناك شيطان على الجانب الآخر من هذا الموقف، هو قيادة حماس. فرفض حماس للمطالب الإسرائيلية التى تدعمها الولايات المتحدة والرباعية الدولية، والمتمثلة فى إعلان اعترافها بدولة إسرائيل يصعب إجبار إسرائيل على عدم مواصلة تمزيق أوصال الأراضى الفلسطينية وتشريد سكانها، ناهيك عن جهودها للإطاحة بحماس عن طريق العنف، حتى لو تطلب ذلك تجويع وترويع سكان غزة المدنيين. كما أن حماس مُطالَبَة الآن بتوسيع اعترافها ليشمل حكومة، لم تتظاهر حتى بأنها سوف تقبل أبدا سيادة فلسطينية على أى جزء من فلسطين.

ولكن قادة حماس، مثلهم فى ذلك مثل نتنياهو وليبرمان، قد قوَّضوا الأرضية التى يقفون عليها، لأنهم رفضوا الإشارة إلى أنه فى حالة اعتراف إسرائيل بحقوق الفلسطينيين فى إقامة دولة لهم، فسوف تقوم الدولة الفلسطينية الجديدة بتطبيع العلاقات مع إسرائيل، بالإضافة إلى جميع الدول العربية الأخرى فى المنطقة.

وصرح خالد مشعل، رئيس المكتب السياسى لحركة حماس، فى أحاديث خاصة، بأن رغبة حماس فى قبول اتفاقية سلام يتفاوض بشأنها محمود عباس ستعنى ضمنا استعداد حماس للاعتراف بإسرائيل، «نظرا لأنك لا تستطيع توقيع اتفاق سلام ملزم مع دولة لا تعترف بمشروعيتها». غير أن مشعل وزملاءه من أعضاء المكتب السياسى لم يعارضوا تصريحات قادة آخرين من حماس، من ضمنهم محمود الزهار، بأن حماس لن تعترف بإسرائيل، ولن توافق على أن تكون جزءا من حكومة فلسطينية تفعل ذلك.

ولا شك فى أن أى حركة فلسطينية سياسية، لا تستطيع التعهد بالتزام دولة فلسطينية تقام داخل حدود الأراضى المحتلة فى 1967، بالقوانين والاتفاقات الدولية التى لا تسمح بتدمير دولة مجاورة، سوف تدفع بفلسطين إلى وضع «الدولة المارقة». وبالتالى سوف تخسر هذه الحركة الحق الأخلاقى فى زعامة القضية الوطنية الفلسطينية، لأن أيديولوجيتها تمنع إنجازها أو الوصول لحل لهذه القضية.

وفى هذا السياق، يعتبر حزب الليكود اليمينى صورة طبق الأصل من حماس. فجموده العقائدى والفكرى، المشابة لجمود حركة حماس، سوف يؤدى به إلى تبديد القضية الوطنية اليهودية التى يدعى أنه سيكون أول المدافعين عنها. 
 

هنري سيجمان  رئيس مشروع الولايات المتحدة و الشرق الأوسط
التعليقات