التمسك بالشكليات - سلامة أحمد سلامة - بوابة الشروق
السبت 11 يناير 2025 4:48 م القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

التمسك بالشكليات

نشر فى : الأربعاء 25 أغسطس 2010 - 10:16 ص | آخر تحديث : الأربعاء 25 أغسطس 2010 - 10:16 ص

 تلعب الشكليات فى حياتنا دورا رئيسيا لا يمكن إغفاله. وغالبا ما يكون سببا فى وقوع أخطاء وكوارث غير متوقعة نتيجة الإهمال وعدم الدقة وغياب الانضباط فى السلوك والنظام. وعندما وقعت سرقة لوحة زهر الخشخاش من متحف محمود خليل، لم يصدق الكثيرون ما تردد من شائعات بأن اللوحة قد أعيدت بعد بضع ساعات.

فالمعروف أن هذه اللوحة كانت قد سرقت من نفس المتحف عام 1978، ثم استعيدت بعد عامين من الكويت فى ظروف غامضة لم تكشف تفاصيلها فى ذلك الحين وحتى الآن. مما يقطع بأن اللوحة كانت مرصودة من عصابات تهريب التحف الفنية، وأن الغموض الذى أحاط بسرقتها فى المرة السابقة قد يستمر أكثر من عامين هذه المرة!

وقد لاحظت أجهزة التحقيق مدى التراخى فى إجراءات حراسة المتحف دليلا على حالة اللامبالاة والفوضى التى تميز المكان. وأثبتت الجولة الأولى من التحقيقات أن وسائل الإضاءة وكاميرات المراقبة لا تعمل إذا عملت إلا قليلا منها. وأن أبواب المتحف مشرعة للدخول والخروج دون رقابة.

هذه عيوب منتشرة فى كل المواقع والمرافق فى مصر. حيث ينصرف الأمن إلى حماية الأشخاص بدلا من المؤسسات والمقتنيات. وعندما وقع حادث غرق الفتيات فى نهر النيل قبل أسبوعين، لم تستطع شرطة المسطحات المائية التى سارعت لنجدتها أن تفعل شيئا. فقد اتضح أن أجهزة الغطس والإنقاذ معطلة لا تعمل.

ونحن لم نتعلم من كارثة غرق عبارة السلام التى راح ضحيتها 1200 مصرى، ولا من حرائق قصر الثقافة ولا من حوادث تصادم القطارات. وكلها نتيجة إهمال مركب من جانب البشر والآلة، أى من جانب موظفى الأمان والإطفاء من ناحية ومن جانب الوسائل والأجهزة من ناحية أخرى. ولكننا كما نعرف جميعا نعتمد على ما يقوم به الحراس من «تتميم» شكلى للاطمئنان على أن كل شىء فى مكانه. ثم ينتهى كل شىء.

وللأسف فإن المظهرية والشكلية والاستخفاف وعدم احترام الأرقام.. هذه الظواهر التى تملأ جوانب حياتنا وتؤثر على مهارة الصانع المصرى والمهندس المصرى والإنتاج المصرى هى التى تقودنا خطوات إلى الوراء فى شتى مجالات المنافسة. وقد انتقلت العدوى إلى الوزراء وكبار المسئولين.

فلم يعد أحد يعرف مثلا هل انقطاع الكهرباء الذى يغطى محافظات عديدة بالظلام يرجع إلى اشتداد حر الصيف وزيادة الأحمال على الشبكة كما تقول وزارة الكهرباء، أم نتيجة لنقص إمدادات الغاز الذى يذهب لإسرائيل وينتقص من احتياجات مصر من الغاز؟!
وزير الغاز والبترول يقول إن اشتداد الحر وزيادة الاستهلاك هما السبب. ووزير الكهرباء يقول العكس أن نقص إمدادات الغاز هو السبب.

والطريف أن يجتمع الوزيران مع رئيس الجمهورية، ثم يخرجان متفقين على بقاء الحال على ما هو عليه.. فالغاز لم يصل وانقطاع الكهرباء لن يتوقف. وكأن التكتم على الحقائق والأرقام هو الحل. فلا أحد منهما يريد أن يكشف الأوراق ويعلن عن حقيقة العلاقة السرية غير المشروعة مع إسرائيل. تماما مثلما حدث مع سرقة لوحة الخشخاش وتهريبها إلى الكويت أول مرة عام 78.

نحن قد نقبل انقطاع الكهرباء وسرقة المتحف إذا لم نكن نملك الإمكانات اللازمة والطاقة الضرورية، كما حدث مع انهيار واردات القمح من روسيا لأسباب خارجة عن إرادتنا، ولكن ألم يكن الأجدر بوزارة الكهرباء أن تعلن للناس جدولا زمنيا يتم بمقتضاه تخفيف الأحمال على الشبكة طبقا لنظام عادل. وأن تبدأ الحكومة بنفسها قبل غيرها.

فتنخفض الإنارة فى المكاتب والنوادى والمساجد وتمنع أشكال الإسراف فى استخدام أجهزة التكييف. كما تفعل اليابان التى ثبتت درجة حرارة أجهزة التكييف فى المبانى الحكومية عند 26 درجة. وكما فعلت دول أوروبية عديدة حين لم تكن تملك الطاقة الكافية لإنارة المنازل والمصانع معا. فكانت تزود المصانع بحاجتها من الطاقة أولا وتضع قيودا على إضاءة المطاعم والملاهى والبيوت ليلا.

هناك حاجة ماسة إلى الشفافية وقدر من التقشف وأن تضرب الحكومة المثل للشعب قبل أن تطالبه بالتخفيف من استهلاك الكهرباء.

سلامة أحمد سلامة صحفي وكاتب مصري كبير وصاحب آراء ليبرالية قوية وجريئة وبناءة في مسيرة الصحافة العربية. يشغل منصبي رئيس مجلس تحرير جريدة الشروق ورئيس مجلس تحرير مجلة وجهات نظر. هو صاحب العمود اليومي من قريب في جريدة الشروق وكان في السابق نائبا لرئيس تحرير الأهرام.
التعليقات