«ماذا يحدث لو أن الطيور احتفظت فى رءوسها الصغيرة بما فعله البشر بها».. هذه الفكرة، على شكل سؤال، وردت إلى ذهن ألفريد هيتشكوك، قبل شروعه فى تحقيق فيلمه الشهير «الطيور» 1963، الذى أصبح من كلاسيكيات سينما الرعب، المعتمدة على الخيال الجامح، فيما يعرف بالفانتازيا.. المرء، يخرج من درس هيتشكوك بنتيجة مؤداها، ضرورة وجود الفكرة، قبل كتابة السيناريو، وتنفيذه.
هذه المقدمة بمناسبة نجاح «الحرب العالمية الثالثة»، جماهيريا، ونقديا، بعيدا عن حذلقة الذين اتهموا العمل بالسخرية من رموزنا المحترمة، مثل أحمد عرابى ومحمد على وأبوالهول.. الفيلم كوميدى، والكوميديا تسمح بمساحات متباينة من مداعبة المشاهير، أصحاب الشأن، الأمر الذى استفاد منه «الحرب العالمية الثالثة»، بتوقيع أحمد الجندى، فضلا عن الثلاثى الطموح، المتجانس، تأليفا وتمثيلا: أحمد فهمى، شيكو، هشام ماجد.. لكن مشكلة الفيلم أنه ينطلق، بلا ضابط، داخل متحف تماثيل، تدب الحياة فى مقتنياته، ليلا، لعدة ساعات.. وسيلتنا لدخول المتحف، الشاب خميس ــ بأداء أحمد فهمى ــ الذى يطالعنا فى البداية، مرتديا فانلة رياضية، يبدو كأنه قوى البنية، شجاعا.. سريعا، فى لمسة كوميدية، نكتشف أنه خائر العزيمة، ترك والده يتعرض للضرب، وولى الأدباء.. وها هو يحقق فشلا ذريعا فى لعب كرة القدم. فريقه لم يقبله إلا لأنه يملك الكرة التى انطلقت بعيدا، إثر ركلة قوية، لتحطم زجاج نافذة قصر. صاحبنا، يتسلل للقصر، نكتشف معه، أنه متحف، يضم عشرات الشخصيات، منها توت عنخ آمون، هتلر، أم كلثوم، مارلين مونرو، ريا وسكينة، صلاح الدين الأيوبى، جنود من أبطال أكتوبر، رأفت الهجان، هولاكو، أبولهب.. وآخرين.
تعتمد كوميديا الفيلم على عدة أساليب، منها تقديم شخصياته على نحو كاريكاتورى، يصل أحيانا إلى درجة الصاق خصائص تتناقض مع ما عرف عنها، وآية ذلك «عفريت» مصباح علاء الدين، الشهير بقدرته على فعل الأعاجيب. هنا، يبدو خائفا، ضعيفا.. والى مصر، محمد على، المعروف ببأسه، وطموحه، يطالعنا طيبا، مبتسما بلا سبب.. مارلين مونرو، الجذابة، الساحرة، تغدو سوقية، طويلة اللسان.
إلى جانب الإفيهات، على الطريقة المصرية، ثمة المطاردات، فبطلنا «خميس»، متهم بالتحرش، بالمهاتما غاندى ــ وهى مسألة خيالية من الذوق ــ ويحكم عليه بالإعدام، يضطر للاختباء بجانب قدم «أبوالهول»، المرتشى، وتتوالى لعبة البحث عن الهارب، المرة تلو المرة، مما يجعل الفيلم مترنحا بالرتابة.. ورغبة فى «تسخين» الأجواء، يندلع صراع بين «خميس» وامرأة شريرة، شديدة المراسى، تؤدى دورها إنعام سالوسة، من أجل الحصول على أوراق فرعونية تتضمن أسرار سحرية مؤكدة المفعول. «الحرب العالمية الثالثة»، من الممكن أن يختصر إلى النصف ساعة، ولأنه مجرد دوران فى دوائر موحدة، من الممكن أن يستمر لعدة ساعات.. قد ترى أداء «كاريكاتوريا موفقا من علاء مرسى حين يحاكى هستيريا هتلر، وربما يرضيك الحضور القوى، المحبب، ليوسف عيد، شبيه المغنى العالمى، الجاميكى المولد، بوب مارلى.. لكن، فى المقابل، لن نسمع صوتا لأم كلثوم، ولن تشعر بوجود الفيس بريسلى.
قرب النهاية، تتألق فكرة لامعة، طارئة، على صناع الفيلم: ماذا يحدث لو أن أشرار التاريخ تجمعوا ضد مصر؟ هنا، يحقق أحمد الجندى أفضل مستوياته، خاصة فيما يتعلق بتحريك المجاميع، كتلة الأشرار، فى منتصفها هتلر، وحوله أمثاله.. وكتلة الشعب، ومعها أسدا قصر النيل.. مشاهد مفعمة بالحيوية، والمعانى.
لو أن صناع «الحرب».. استوعبوا درس هيتشكوك، وجاءتهم الفكرة منذ البداية، لكنا بإزاء فيلم بديع، شديد الأهمية والعمق، قد نراه.. فيما بعد.