سعدت عندما دخلت موقع البحث الإلكترونى الشهير جوجل، فوجدت عنوان الموقع المكتوب بالإنجليزية مشطورا ليقبع فى منتصفه بيت شوقى الشهير مكتوبا باللغة العربية:
وطنى لو شغلت بالخلد عنه نازعتنى إليه فى الخلد نفسى
ولم يتوقف احتفال الموقع بذكرى ميلاد شوقى عند هذا الحد، بل تخطاه إلى إنشاء موقع خاص بالاحتفال يضم الحديث عن سيرة شوقى ومكانته الأدبية ومؤلفاته وبعض قصائده.
وعلى الرغم من سعادتى البالغة بهذه الحفاوة، فإن الأسى قد تسلل إلى قلبى فور قراءة السطر الأول من سيرته الذى يقول «ولد شوقى بحى الحنفى بالقاهرة فى 20 رجب 1287هـ ـ 16أكتوبر 1870م».
والصيغة المكتوب بها تاريخ ميلاد الشاعر بالتقويمين الميلادى والهجرى توحى للقارئ بالثقة فى تحديد عام الميلاد لكن الحقيقة غير ذلك، ولهذا قررت أن أترك هذا الموقع الاحتفالى للذهاب إلى موقع آخر عبر جوجل أيضا وهو موقع موسوعة «ويكيبيديا» الحرة للبحث عن التاريخ الذى دونته لميلاد شوقى، فوجدت فى صدر الموقع صورة شوقى وقد سجل تحتها «ولد أحمد شوقى 1285 هجرية ـ 16 أكتوبر 1869 ميلادية».
وحقيقة الأمر أن كلا الموقعين قد أخطأ فى تحديد تاريخ ميلاد شوقى، لهذا ما زلت مُصِرا على عدم الاعتداد بالمعلومات المبثوثة على مواقع الإنترنت دون إخضاعها للمراجعة الدقيقة، فشوقى شاعر مخضرم امتدت حياته فى قرنين، فهو من مواليد أكتوبر 1868، وتوفى فجر 14 أكتوبر 1932 أى أنه عاش 64 عاما نصفها فى القرن التاسع عشر والآخر فى القرن العشرين.
وعلى الرغم من أن أم كلثوم قد تغنت بعشر قصائد لشوقى، فإن كل هذه الأغنيات جاءت بعد وفاته حيث كانت أولها أغنية «الملك بين يديك» عام 1936 وفقا لتأريخ كتاب «شوقيات الغناء» للشاعر أحمد عنتر مصطفى الذى أرجع السر فى هذا إلى غيرتها من اختصاص أمير الشعراء لعبدالوهاب بمؤلفاته الفصحى والعامية. يذكر الكتاب الحادثة الشهيرة التى كتب شوقى بسببها قصيدة خاصة لأم كلثوم وأهداها إليها بنفسه فجرا بعد أن غنت ليلتها مجانا فى عرس ابنه على، وهى قصيدة «سلوا كئوس الطلا» التى تغنت بها فى نهاية عام 1936 أيضا. وقد علق عنتر على هذا قائلا: «حتى إن قصيدته التى نظمها فيها عام 1931 ـ أى قبل رحيله بعام ـ ظلت حبيسة لديها ولم تفرج عنها أو تترنم بأبياتها إلا عام 1936، أى بعد وفاة شوقى بأربعة أعوام!».
ومن يراجع الشوقيات تطالعه قصيدة نظمها شوقى فى حفيده أحمد بن على، يقول فى بدايتها:
روحى ولذَّةُ عينى عَوَّذْتهُ بالحسيِنِ
سُلالتى من عَلِىٍّ ولدتهُ مرتينِ
أحببته كأبيهِ وزدتهُ حبتينِ
وهذا الحفيد مولود عام 1926، فلو صح أن عرس أبيه كان عام 1931 كما ذكر الكتاب يكون الأب قد أنجبه قبل زواجه بخمسة أعوام، لأن عرس على الذى كتب شوقى ليلته قصيدته لأم كلثوم كان عام 1925، وقد راجعت عنتر فى هذا فأقر به ورده للخطأ المطبعى.
وقد كان رامى والسنباطى هما الجسر الذى عبرت به أم كلثوم إلى قصائد شوقى، فقد لحنها كلها رياض السنباطى، وقام باختيار أبياتها من القصائد الطويلة وتغيير ما يتطلبه الغناء من ألفاظ عند الحاجة أحمد رامى، فحتى القصيدة الوحيدة القصيرة التى غنتها أم كلثوم كاملة لشوقى لأنها تتألف من 11بيتا فقط وهى «سلوا كئوس الطلا»، قام رامى بالتغيير فى آخر أبياتها، حيث تقول الأغنية:
يا جارة الوادى أيام الهوى ذهبت كالحلم آها لأيام الهوى آها
وكان شوقى قد كتب فى ختام قصيدته التى أهداها إليها «يا أم كلثوم أيام الهوى ذهبت»، ولم يكن من اللائق أن تغنيها كما هى، حيث حول التغيير القصيدة من الخاص إلى العام لتبقى أغنية خالدة.
والواقع أن الأبيات التى اختارها رامى من قصائد شوقى الطويلة وتغييراته الطفيفة فيها تنم عن خبرة متميزة بطبيعة الغناء واحترام وتقدير لقامة شوقى الشعرية، والدليل على هذا أنه فى عام 1946 عندما زار الملك عبدالعزيز آل سعود مصر طُلِب من رامى إضافة أبيات لقصيدة «سلوا قلبى غداة سلا وتابا» التى غنتها أم كلثوم أثناء الزيارة للترحيب بالضيف، فماطل وتعلل بتعطل القريحة وغياب الوحى، وقام الشاعر محمد الأسمر بهذه المجاملة السياسية والجريمة الأدبية، حيث أضاف بعد نهاية قصيدة شوقى خمسة أبيات كاملة يرحب فيها بالملكين عبدالعزيز وفاروق يمكنك الرجوع إليها فى كتاب عنتر، لكن تاريخ الفن لم يحفظ لنا سوى قصيدة شوقى، واختيارات رامى، ولحن السنباطى، وغناء أم كلثوم، لأنه لا يعترف بالمجاملات حتى السياسية منها.