إياك أن تنسى لماذا سقطت فى يناير؟ - أحمد عبدربه - بوابة الشروق
الخميس 12 ديسمبر 2024 7:34 م القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

إياك أن تنسى لماذا سقطت فى يناير؟

نشر فى : الأحد 26 يناير 2014 - 8:00 ص | آخر تحديث : الأحد 26 يناير 2014 - 8:00 ص

عزيزى ثائر يناير إياك أن تتظاهر بأنك تحتفل بالذكرى الثالثة للثورة، أعلم أننا نملك من الحيل النفسية ما يكفى لتجنب الصدمات والأوجاع، ومنها حيلة «الموجة الثانية للثورة»، ومنها حيلة «ثورة ٢٥ يناير ٣٠ يونيو» دون إشارة العطف «الواو»، ومنها أن «الثورة مستمرة»، ومنها أن «اليأس خيانة».. إلى آخر كل هذه الحيل التى تدفع كل من آمن بالثورة وقيمها إلى تجاوز الواقع المؤلم وهى أن الثورة تندحر وتتراجع وتمر بأسوأ مراحلها. لا يعنى ذلك أنها انتهت بالضرورة، لكنها فى أحسن العبارات تفاؤلا شوهت وجمدت إلى حين! ولعل أبرز مظاهر هذا التشويه أن قطاعا كبيرا من المواطنين بات بالفعل مقتنعا أن الثورة كانت مؤامرة ارتكبها مأجورون من الخارج لإسقاط الدولة، وإننا الآن نستعيد دولتنا المتآمر عليها بواسطة مجموعة من الوطنيين المخلصين، الذين اعتلوا المشهد بعد ٣٠ يونيو لتخليص البلاد والعباد من الكرب الذى ألم بهم منذ يناير٢٠١١.

•••

أستطيع أن أعذر المواطنين وقد تعرضوا لضرر مادى ونفسى حقيقى من بعد يناير، وقطعا يتحمل المسئولية تيارات الإسلام السياسى بسذاجتها أو ربما انتهازيتها المفرطة، وكذلك مجموعة الثوار الذين ركن معظمهم إلى أن للثورة قوة دفع ذاتى كافية لتحقيق أهدافها، بينما تفرغ معظمهم للشهرة والسلطة وجوب العالم تنظيرا وتأطيرا وحكيا لثورة لم تكتمل بعد فحصدوا نتيجة ما زرعوه بعد ثلاثة أعوام ونتيجة الحصاد أن الثورة حنطت إلى إشعار آخر.

لكن ولنكن منصفين فإن الإسلام السياسى والثوار يتحملون جزءا من المسئولية فى حين أننا يجب ألا ننسى أبدا أن أجهزة الدولة وشبكاتها لعبت الدور الأكبر لهزيمة يناير لأنها اعتبرت أن فلسفتها ومصالحها مهددة ومن هنا استخدمت كل الوسائل الممكنة مشروعة وغير مشروعة لهزيمة الثورة، بحيث إننا نستطيع أن نخلص إلى أن الدولة هى من هزمت يناير، وليس النظام السياسى ولا الشبكات القديمة فهؤلاء جميعا تحالفوا فقط معها لأن الخصم ببساطة واحد.

•••

الآن ونحن نتذكر أن ثلاثة أعوام قد مرت على ثورة يناير، ونحن نرى الجميع يأتلف قلبه على إسقاطها، ونحن نرى شبكات قديمة وأجهزة غير شفافة تحتفى بالنصر العظيم على ثوار يناير الأشرار، علينا فقط أن نذكرهم بسبب سقوطهم فى يناير حتى لا تأخذهم الاحتفالات بعيدا عن واقع مرير وفواتير مؤجلة سيقومون بتسديدها آجلا أو عاجلا، عزيزى المحتفل على أنقاض يناير فى ٢٠١٤ دعنى أذكرك فى السطور القليلة المقبلة لماذا قبل ٣ أعوام فقط كنت تجر أذيال الهزيمة والفشل؟

• سقطتم فى يناير لأنكم انحزتم بشكل فج لمصالح رأس المال، ولم تنحازوا بشكل حقيقى للفقراء ومحدودى الدخل كما ادعى دوما نظامكم، فلم تجرءوا على اتخاذ سياسات حقيقية لإعادة توزيع الدخول أو لمراعاة البعد الاجتماعى لانحيازاتكم الفجة فانتشر الفقر المدقع فى أرجاء المحروسة.

• سقطتم فى يناير لأنكم عمدتم إلى تحويل الفساد لنظام والذل لمنظومة، فأذللتم العباد بلقمة العيش وأجبرتموهم على طأطأة رءوسهم من أجل العيش المستور، وعودتموهم على فساد الجيوب والنفوس والضمائر باعتباره النظام الوحيد المتاح لخلق حياة آمنة.

• سقطتم لأنكم عجزتم على جعل العدالة إحدى قواعد لعبتكم السياسية فظلم الرئيس وحاشيته من تحتهم والأخيرين بدورهم أستأسدوه على ما دونهم وهكذا دواليك جعلتم الظلم قاعدة من قواعد اللعب فى سائر مؤسسات الدولة والمجتمع، وإما أن تقبل بالظلم فتأمن، وإما أن تتحدى فتسقط دون أن يبكيك أحد.

• سقطتم لأنكم صدرتم صبيان الدولة فى السياسة والأمن والاقتصاد والإعلام، مجموعة من «المخدماتية» معظمهم عديم الكفاءة ومعدوم الضمير تصدر المشهد نفاقا لكم وطبخا لوصفاتكم فى الحكم فسقطوا وأسقطوكم معهم، فالدول تقوم على أكتاف الأكفاء لا الصبيان ذوى الحظوة والثقة.

• سقطتم لأنكم صدرتم الحلول الأمنية لكل مشاكل المجتمع واعتقدتم أن هيبة الدولة تحفظ بالهراوات والمجنزرات والقمع والسحل، لا بالديمواقراطية والشفافية والحوار والتفاوض، فكان أمنكم هو أمن النظام لا أمن الدولة، هو أمن الحاكم لا أمن المحكوم فحصدتم الكراهية المكبوتة إلى أن انفجرت فى اللحظة المناسبة التى أوجعتكم كثيرا.

• سقطتم لأنكم عجزتم عن بناء بنية تحتية تليق بالمواطنين، فوقفتم تتفاخرون بحكومتكم الذكية فى قلب القاهرة حيث تكنولوجيا الفيديو كونفراس بينما الأطراف بلا صرف صحى أو ماء أو كهرباء.

• سقطتم لأن سياساتكم التعليمية والصحية كانت خارج حسابات التاريخ والجغرافيا فجففتم منابع التفكير والإبداع وخرجتم أجيالا مشوهة وأبعد ما تكون عن بناء دولة.

• سقطتم لأنكم لم تؤمنوا يوما بفصل الدولة عن الدين كما يحلو لكم الادعاء دوما، بل أردتم تأميم الدين ومؤسساته وفتاواه، فالدين هو توءم روح دولتكم طالما حلل حلالها وحرم حرامها، وهو عدوكم إذا عارضها ووقف ضد سياستها.

• سقطتم لأنكم حولتم مفهوم المواطنة إلى ابتزاز للمسلمين وغير المسلمين معا عبر مجموعة من المحاصصات والطقوس والتقاليد التى ابتعدت كثيرا عن جوهر مفهوم المواطنة وهو «التمكين بغض النظر عن الدين إذا توافرت الكفاءة»، فلا مواطنة صنعتم ولا وطن حفظتم.

• سقطتم لأنكم خلقتم مجتمعا بوليسيا فيه عدد «البصاصين» وكتبة التقارير ربما أكبر من عدد من يتم مراقبتهم، عيشتم الشعب تحت دجل المؤامرات التى تُحاك يمينا ويسارا، تارة باسم الماسونية وأخرى باسم عبدة الشياطين وثالثة باسم القاعدة، بينما كانت المؤامرة الحقيقة تُحاك فى الداخل فحينما حانت لحظة الحساب لم تصمدوا إلا ساعة!

• وأخيرا ولا أقول آخرا سقطتم لأنكم استبعدتم الشباب وأهنتموهم، ومكنتم كبار السن وفقط حتى تحول الأخيرون إلى كهنة المعبد الذين يملكون دون غيرهم أسرار وطقوس الدولة ومن اقترب منهم أو نافسهم أصابته اللعنة، فظل هؤلاء (وللغرابة مازالوا) يحتكرون أسرار الدولة وسياساتها وخطابها حتى يئس الشباب يأسا عظيما، ولم يجد سوى مراكب المتوسط بدا للانتحار الاختيارى.

•••

عزيزى المنتشى والمنتفخ بهزيمة يناير أراك سعيدا أننا قد عدنا إلى ليلة ٢٤ يناير ٢٠١١، وأملك من البراجماتية والروح الرياضية ما يجعلنى أهنئك وأحيى ذكاءك، ولكنى آسفا مضطرا أن أصدر لك طاقة سلبية وأذكرك بأن ما سبق كان الوضع فى مساء تلك الليلة، فهل عودتك البهية مصحوبة بتصور حقيقى لحل كل تلك المشكلات والمعضلات؟ هل بالفعل تفهم ما كتبته أعلاه وتؤمن عن حق أن مصيبتك فى يناير كانت أعظم وأفدح من ادعاءات العمالة والتآمر؟ هل تدرك أن عودتك هذه المرة مرهونة بإصلاح وعلاج كل ما سبق وليس مجرد تهذيب وإصلاح ثوار يناير؟ هل تعترف بأنه إن كان ليناير ثمن يجب أن يدفع فأنت أول من سيدفع؟ هل تفطن إلى أنه فى ٢٤ يناير كان الناس لا تبتغون سوى الحياة المستورة، بينما هم الآن يرفعون التوقعات إلى عنان السماء فى انتظار الفارس المغوار ليخلصهم ويحررهم من متآمرى يناير ويلبى لهم كل المطالب والرغبات وان لم يفعل فارسهم المنتظر ذلك ستنفجر فيه مجددا وبشكل أكثر سوءا وإذلالا من قبل؟

عزيزى المنتشى يا من تطلق ضحكات الفرح والانتصار على الشاشات منتشيا ومنتفخا بنصرك المزعوم أدعوك للتمهل، فقد أتت يناير لترفع عن كاهلك المسئولية للدرجة التى دفعت الكثير إلى الترحم على أيامك، أما وأنها قد عادت لك مجددا فتذكر أنها ستنفجر فى أى لحظة مرة أخرى وبشكل أقرب من توقعك وأسوأ من ٢٠١١ إذا لم تدرك سبب سقوطك وقتها، فهل أنت لها؟

أحمد عبدربه أستاذ مشارك العلاقات الدولية، والمدير المشارك لمركز دراسات الشرق الأوسط بجامعة دنفر