نشرت مجلة The Nation الأمريكية مقالا للكاتب «ميساه سيفرى» حول ستيف بانون ــ السياسى والمخرج والمؤلف الأمريكى، الذى قد تم اختياره من قبل الرئيس الأمريكى دونالد ترامب لشغل منصب كبير المستشارين والمخططين الاستراتيجيين فى إدارته. ويتطرق المقال إلى تصريحاته وشخصيته التى دوما ما تثير القلق والجدل.يتسهل «سيفرى» المقال بتصريحات ستيف بانون والتى قد ازدادت كثيرا خاصة خلال هذه الأيام، وذلك لم يحدث على هذا النحو قبل توليه منصبه الجديد ككبير للمستشارين لدى ترامب، وما زاد من ذلك تصريح مجلة تايم الأمريكية بأنه قد أصبح ثانى أقوى رجل فى العالم، فإضافة لكونه كبير المحللين الاستراتيجيين لترامب، فهو عضو دائم باللجنة الأساسية لمجلس الأمن القومى الأمريكى. جدير بالذكر أن هذه اللجنة تضم أكبر وأقوى الشخصيات داخل الحكومة الأمريكية كوزير الخارجية ووزير الدفاع الأمريكيين، وذلك لمناقشة القضايا التى تدور حول مكافحة الإرهاب والعمليات العسكرية وعدد آخر من القضايا المهمة، وذلك قبل رفعها إلى الرئيس من أجل إصدار قرار نهائى حولها.
***
فيما يتعلق بفهم بانون وكيف يفكر؛ فقد عكف المحللون خلال الأسابيع القليلة الماضية على عدد من الوقائع التى ربما تساعد فى توضيح بعض من تفكيره وعقليته؛ فالواقعة الأولى تمثلت فى خطاب ألقاه عبر موقع التواصل «سكايب» عام 2014 بمؤتمر تم عقده داخل الفاتيكان حينما دعا الكنيسة إلى محاربة البربرية الجديدة المتمثلة فى الفاشية المسماة بالجهاد الإسلامى، قائلا: «وفى اعتقادى، نحن على عتبات حرب عالمية على الفاشية الإسلامية». وأضاف: «ربما يكون حديثى متشددا أكثر من غيره.. أعتقد أنكم يجب أن تكونوا عدوانيين للغاية ضد الإسلام الراديكالى.. انظروا ماذا يحدث، وستجدون أننا فى خضم حرب ذات أبعاد هائلة»، إضافة إلى قيامه بالإثناء على حركة «حزب الشاى» ــ الحركة الرائدة ضد الرأسمالية والداعية إلى مناهضة الإسلام وإدخال ظاهرة الإسلاموفوبيا مرة أخرى إلى المجتمع الأمريكى.
أما الواقعة الثانية، فقد تمثلت فيما نشره عدد من الصحفيين فى الآونة الأخيرة ببعض الصحف الأمريكية ــ الولايات المتحدة اليوم، نيويورك تايمز ــ من تصريحات لبانون خلال حلوله ضيفا على أحد البرامج الإذاعية ــ وذلك قبل توليه حملة ترامب لخوض الانتخابات الرئاسية الصيف الماضى، حيث قال للمحاور «لى إدواردس» بأن بلاده ذاهبة لا محالة إلى حرب بجنوب بحر الصين فى غضون خمس سنوات، إضافة إلى ذلك فقد صرح فى ديسمبر عام 2015 لأحد النشطاء المناهضين للهجرة «روسمارى جينز» بأن أغلب الأشخاص فى منطقة الشرق الأوسط ــ تحديدا 50% منهم على الأقل ــ يدينون بالإسلام ويطبقون مبادئ الشريعة الإسلامية وهؤلاء قطعا مكانهم ليس الولايات المتحدة. فضلا عن تصريحات أخرى له يؤكد فيها انزعاجه من تمدد الإسلام، وانتشار الصين، والاعتقاد الخاطئ من قبل البعض بتراجع الغرب اليهودى ــ المسيحى.
مثل هذه الوقائع وما تتضمنه من تصريحات توضح بشكل كبير ملامح تفكير بانون ولكن لمزيد من الفهم لعقليته والرؤى التى يتبناها ولماذا يتبنى مثل هذه الآراء تحديدا وهذه التقييمات الظالمة والقاتمة وإلى أين يريد الذهاب بالولايات المتحدة، فيمكن إلقاء نظرة على الأفلام الوثائقية التى قام بإخراجها ــ فقبل التحاقه بموقع Breitbart News كعضو مؤسس بمجلس إدارته قد صنع عددا من الأفلام الوثائقية ككاتب وكمنتج؛ كفيلم وجه الشر: حرب ريجان فى القول والفعل، وذلك عام 2004، والنار من هارتلاند: صحوة المرأة المحافظة والنضال من أجل أمريكا عام 2010، وغيرها من الأفلام التى تساعد كثيرا على فهم العقلية التى يفكر بها ذلك الرجل.
يضيف الكاتب بأن من هذه الأفلام ما يستحق تسليط الضوء وذلك لتوضيحه جزءا كبيرا من وجهة نظره وتفكيره، وتحديدا فيلمه الذى تم إنتاجه عام 2010 بعنوان الجيل صفر وخلال أوقات عديدة منه ــ وصلت مدته إلى 90 دقيقة ــ استعرض عددا من الأحداث التى اندلعت خلال آخر مائة عام بالتاريخ الأمريكى وقد تخللها مقابلات مع عدد من المثقفين المحافظين أغلبهم من ذوى البشرة البيضاء، وظهر جانب كبير من قصة الفيلم إما لإثناء ريجان والجمهوريين أو حركة بلاين وحزب الشاى أو لمهاجمة اليساريين. ولكنه فى الوقت ذاته قام برصد رؤى متماسكة ولكنها قاتمة حول ماضى المجتمع الأمريكى وحاضره ومستقبله.
***
من ناحية أخرى يرى بانون بأن الولايات المتحدة تعيش الآن فى طور الأزمة، بينما كانت مرحلة العلو والازدهار خلال الحرب العالمية الثانية، ويستند فى ذلك إلى «نيل هاو» و«ويليام شتراوس»، ــ اثنين من المؤرخين الذين قدما فى التسعينيات ما سمى بـ«نظرية الأجيال» فى التاريخ الأمريكى. وتقسم هذه النظرية تاريخ الولايات المتحدة إلى أجيال، كل جيل يستمر قرابة الـ80 عاما، وينقسم الثمانين عاما إلى أربع مراحل، هذه المراحل قدومها حتمى ولا مفر منه ــ كقدوم الفصول الأربعة مثلا ــ، وكل مرحلة تستمر قرابة 20 عاما، وهى «العلو ثم الصحوة ثم الانكشاف ثم الأزمة. إلا أن هذه النظرية يصفها كثيرون بالغموض ولم يأخذها كثير من المؤرخين على محمل الجد. لكن فى الوقت ذاته لم يتم إثبات خطئها. ذلك لم يزعج بانون على الإطلاق بل ولم يضعه فى اعتباره من الأساس.
فى السياق ذاته يرى بانون أن الأزمة الحالية قد جاءت نتيجة تراكم الديون فى العقد الأول من الألفية الحالية، وما بعد الأزمة العالمية عام 2008، كما أنه صرح فى خطاب له عام 2010 بـ«أن هذه الديون المتراكمة تشكل تهديدا وجوديا مباشرا لأمريكا». لكن ما يثير القلق أن بانون يقارن الأزمة الحالية بأحداث تاريخية جسيمة مثل حرب الاستقلال الأمريكية والحرب العالمية الثانية. ويبدو أنه يذهب للاعتقاد بأن الولايات المتحدة تتجه نحو صراع عنيف.
***
يختتم الكاتب بأن بانون لا يعتقد فقط بأن الولايات المتحدة فى صراع وجودى ومصيرى مع الإسلام أو الصين، بل يبدو أنه يريد أن تتفاقم هذه الصراعات حتى تتبلور فى شكل حرب عالمية ثالثة، وبانون كشخص مؤمن بنظرية شتراوس وهاو عن التاريخ والصراع الوجودى الذى يعد أساسا لهذه النظرية، فهو يتخيل أنه يمكنه إقامة نظاما جديدا تماما، وما يثير القلق أنه الآن فى المنصب الذى يمكنه من تحويل رؤياه إلى حقيقة على أرض الواقع.
إعداد: نهاد محمودالنص الأصلى: