الغريب فى الفيلم الذى سربه أتباع نتنياهو عن الاجتماع الذى جرى فى الأسبوع الماضى بحضور وزراء من الدول العربية هو صمت العرب. فى الأسبوع الماضى اجتمع رئيس الحكومة مع وزراء خارجية من أجل نقاش مغلق عن إيران. حدث هذا خلال مؤتمر وارسو، وفى القاعة كان حاضرا أيضا وزراء من الدول العربية. أحد الأشخاص العاملين مع رئيس الحكومة الإسرائيلية صور جزءا من النقاش بواسطة هاتفه، وبقرار من أحد المسئولين تقرر إعطاء الفيلم إلى صحفيين إسرائيليين. فى النقاش سُمع وزير خارجية البحرين يشبه إيران بالسم. وقد جرى تسريب هذا الكلام أيضا.
بعد ساعات قليلة جرى سحب الفيلم، لكنه فى هذه الأثناء شكل مادة لعناوين رئيسية فى عدد من وسائط الإعلام. يمكن مناقشة مسألة ما إذا كان الفيلم أضر بصورة إسرائيل فى نظر العرب. مثلا، هل من الآن وصاعدا سيتردد زعماء العرب عن الحديث أمام إسرائيليين خوفا من تسريب كلامهم؟ لكن هذا جدل هامشى، الأهم من ذلك أن العرب لم يصدموا بما جرى. ولا دولة واحدة من الدول المتضررة من هذه المناورة، البحرين، السعودية ودولة الإمارات، عبرت عن انتقادها لإسرائيل.
هل يشكل هذا تقدما فى العلاقات مع دول الخليج؟ نعم ولا. نعم، لأن العرب أظهروا بهذه الطريقة أن إسرائيل مهمة بالنسبة لهم، إلى حد أنهم مستعدون أن يقبلوا منها هذا الإحراج الصغير.
كلا، لأنه يجب قول الحقيقة: العلاقات مع هذه الدول ليست وردية. هناك اتصالات، وهناك أيضا زيارات سرية، لكن يجب أن ننسى جنة عدن. هذه الدول تبتسم لإسرائيل، لكنها لن تكون قط سلَّمًا يرتقون عليه. ليس لأنها دولة اليهود، بل لأنها أنظمة شديدة الريبة والشك وغارقة فى صراع محلى.
بعد شهر تأتى ذكرى مرور 40 عاما على توقيع اتفاق السلام مع مصر. وبعد 8 أشهر نحتفل بمرور 25 عاما على الاتفاق مع الأردن. ثمة شك أننا سنحظى برؤية اتفاقات مماثلة. السعودية، البحرين، دولة الإمارات، وسلطنة عمان. هى أربع صديقات لإسرائيل فى الخليج، ولكنها لن ترفع مستوى علاقاتها معها إلى حد فتح سفارات فى وقت قريب، لأنه لا حاجة لديها لذلك. ما تريد هذه الدول الحصول عليه تحصل عليه حاليا. اتصالات أمنية، علاقات تجارية، واتصالات دبلوماسية عند الحاجة. من يريد سياحا إسرائيليين، أو علاقات علنية؟ صحيح أن هذا يدر القليل من المال لكنه يحدث ضجة كبيرة.
ليس هذا بالضرورة بشرى سيئة. لماذا نريد اتفاقات براقة. فى الواقع تدل الحاجة إلى الاحتفال على أن شيئا ما ليس على ما يرام. عندما تكون العلاقات جيدة، لا حاجة إلى الاحتفالات. عندما يكون الاتفاق ملتويا ومتعثرا الألعاب النارية لا تجدى. سياح، خط طيران، زيارات تجارة متبادلة، وأجواء صديقة لا تحتاج إلى مراسيم وتوقيعات. هى بحاجة إلى إرادة حسنة. ونواة هذه الإرادة موجودة فى الرياض، وفى المنامة، وفى دبى، لكن دلالة ذلك بالنسبة لهذه الدول ثورية. إخراج العلاقات مع إسرائيل إلى الضوء معناه فتح الطريق أمامها للالتفاف على رام الله. وهو بمثابة تصريح علنى بالتخلى عن القضية الفلسطينية، واعتراف تاريخى بإسرائيل كحقيقة قائمة، وهذه الدول لم تصل بعد إلى ذلك.
فى هذه الأثناء يمكن أن نعزى أنفسنا بحقيقة أن إسرائيل من كل علاقاتها مع الحكومات العربية تستطيع أن تركب نظاما آخر للسلام: سياحة مع المغرب، تجارة مع السعودية والإمارات، علاقات تقنية مع سلطنة عمان (من أجل تحلية المياه) وخط مفتوح مع قطر (له علاقة بـ«حماس«). فى السنوات الأخيرة دخل العراق إلى القائمة. صحيح أنه لا توجد علاقات مع الحكومة لكن توجد صلة حارة وقوية بين مواطنين أفراد من الطرفين.
وما دمنا تحدثنا عن العراق، هناك عريضة هذا الأسبوع انتشرت على وسائل التواصل الاجتماعى كالنار فى الهشيم. فقد وقع قادة وزعماء فى المليشيات الشيعية عريضة تتبرأ من كل من يتصل بإسرائيل، أو بحسب كلامهم «الكيان الصهيونى المجرم». وجاء فى العريضة كل من يساعد إسرائيل أو يتحدث مع حكومتها، يعتبر مؤيدا لها. وجاء أيضا: «التعاون مع الكيان الغاصب يشكل عملية تجسس وخيانة للعراق». وجاء أيضا: «الشعب العراقى وحكومته والقوى الوطنية فيه يرفضون أى نوع من التطبيع مع الكيان الصهيونى، وكل من يقول العكس عليه أن يتحمل المسئولية أمام القانون».
جاء توقيع العريضة على أرضية خصبة. فى السنوات الأخيرة تجرى اتصالات حارة جدا بين إسرائيليين وعراقيين، معظمها يجرى على وسائل التواصل الاجتماعى، وقليل منها من خلال وسائل غير افتراضية. إنها اتصالات متقاربة ومتواصلة وعامة. وهى تكشف عن أنه ليس الأكراد فقط من يذكرون إسرائيل واليهود بالخير، بل أيضا الكثير من الشيعة والمسيحيين والسنة.
قبل بضعة أسابيع كشفت وزارة الخارجية الإسرائيلية عن زيارة قام بها ثلاثة وفود من العراق لإسرائيل خلال 2018. هذا البيان الذى تضمن تفصيلا أو تفصيلين لا لزوم لهما آثار فى بغداد ردود فعل عنيفة. فقد طالب أعضاء فى البرلمان العراقى بفتح تحقيق، وشجعوا القوى الأمنية على الاهتمام بما نُشر فى القدس.

جاكى حوغى
محلل سياسى