شتاء 2006: الأستاذ أنور الهوارى يجلس كئيبا ومكتئبا ومكفهرا أمام المسكينة منى الشاذلى فى العاشرة مساء والذى هو برنامج ينتمى إلى الموجة الجديدة من الإعلام البديل، الذى اكتشف الأستاذ محمد أنور الهوارى فيما بعد أنه إعلام متآمر على الوطن، تماما كما كان يرى جندى الأمن المركزى أحمد سبع الليل فى فيلم «البرىء» لعاطف الطيب كل من يرفضون سياسات الحكومة.
فى تلك الليلة الليلاء ملأ الأستاذ أنور استوديو العاشرة مساء بالسواد، فكل ما فى مصر من وجهة نظره فاسد وباطل، الحكومة والنظام والجماعات القريبة من السلطة، والصحافة الحكومية التى تطرد الشرفاء، ولم يتورع عن الانقضاض على تعبير صكه الأستاذ فهمى هويدى يقول فيه إن الفساد هو المعلوم بالضرورة من الحياة المصرية، ونسبه لنفسه.
كان الأستاذ أنور «ملعلعا» وهو يخوض معركته الكلامية المقدسة ضد حيتان الفساد الذى يبدأ من رأس السمكة ويشيع فى المكان طقسا جنائزيا حتى تحول الاستوديو إلى مأتم يلفه السواد.
آخر شتاء 2009: الأستاذ محمد أنور الهوارى يتحول.. ويشمر عن ساعده ويعلن حربا شاملة على صفحات الأهرام المسائى ضد محور الشر المدعو الإعلام البديل، الذى هو الصحف المستقلة وبرامج التوك شو اليومية التى تزحف ــ ممولة من الخارج ــ لهدم الدولة الوطنية، عبر تقويض الإعلام القومى، وهذا الإعلام الشرير كما يقول الجنرال أنور «يعمل مهتديا بأجندة من التوجهات مكتوبة بالحبر السرى على أوراق التمويل ذاتها»
و يمعن الأستاذ أنور فى إلحاق تهم العمالة والخيانة الوطنية بالإعلام المستقل، حتى يخال القارئ أنه تولى للتو منصب مستشار الأمن القومى إذ يقول بالنص: «الاعلام البديل: حيلة اهتدت إليها قوى إقليمية ودولية ذات مصالح وأغراض وهو جزء من استراتيجية كونية وإقليمية تستهدف ضمن ما تستهدف تفكيك ركائز النظام الوطنى فى مصر».
وقبل أن يفيق القراء من صدمة إنقلاب الهوارى على الهوارى، وقبل أن يضرب الأبرياء أخماسا فى أسداس، جاء التفسير بعد ساعات معدودات: قرار «حكومى» بتعيين الأستاذ محمد أنور الهوارى رئيسا لتحرير مجلة الأهرام الاقتصادى «الحكومية».
مبروك للهوارى ومبارك لمصر التى تستطيع الآن أن تنام ملء جفونها مطمئنة على استقرارها وأمن إعلامها القومى، وليرتاح آباء الاستقلال الوطنى من نجيب وناصر والسادات فى قبورهم، فالأستاذ أنور يقف هصورا على تخومها ينافح فلول الأعداء الأشرار، ولا عزاء لأحمد سبع الليل.