نشرت صحيفة الخليج الإماراتية مقالا للكاتب حسن مدن، تناول فيه قصة ابتهال «مولاى إنى ببابك»، الذى جمع بين الشيخ النقشبندى والموسيقار بليغ حمدى فى عمل واحد لأول مرة فى سبعينيات القرن الماضى، ليخرجا لنا عملا فنيا دينيا ظل حيا حتى اليوم ولن يموت... نعرض من المقال ما يلى:
بعد أذان الإفطار الرمضانى، وعلى مدار عقود اعتاد المصريون سماع ابتهال «مولاى إنى ببابك» من الإذاعة والتلفزيون، ولهذا الابتهال حكاية تعود إلى بداية سبعينيات القرن الماضى، ففى حفل زواج إحدى بنات الرئيس أنور السادات كان بين المدعوين إليه الشيخ النقشبندى والموسيقار بليغ حمدى. بعد انتهاء برنامج الحفل وقف السادات يودع الحضور، وحين رأى الشيخ والموسيقار، خطر فى باله لحظتها خاطر. خاطب بليغ بالقول: «ليه يا بليغ ما تلحنش حاجة للسيد الشيخ»، مذكرا إيانا بتدخل جمال عبدالناصر لحمل محمد عبدالوهاب على التلحين لأم كلثوم.
نادى السادات الإعلامى الشهير وجدى الحكيم، وأمام الرجلين، بليغ والنقشبندى، طلب منه أن يتابع الأمر معهما، ويبلغه بما سيفعلانه أولا بأول. كان عرض السادات بالنسبة لبليغ مفاجأة سعيدة للغاية، هو العالم بالقدرات الصوتية للنقشبندى وجمهوره الواسع فى مصر، أما بالنسبة للشيخ فكان الأمر مربكا ومحرجا، فصورة بليغ فى ذهنه هى صورة ملحن الأغانى العاطفية والموسيقى الراقصة، فكيف له، وهو مؤدى الابتهالات الدينية أن يؤدى شيئا من لحنه.
استمرّ النقشبندى فى تردده طويلا، وقال للحكيم: «عايزنى فى آخر زمن أبقى مطرب يا وجدى، ما تشوف لى حل وتخلينى أخرج من المطب ده». أما بليغ الذى أتته الفرصة من السماء فقد ذهب إلى الشاعر عبدالفتاح مصطفى كاتب كلمات الكثير من الأغانى ذات الطابع الصوفى، وأخذ منه مجموعة من قصائده حتى استقرّ على قصيدة: «مولاى إنّى ببابك قَد بَسطتُ يَدى/ مَن لى ألوذ به إلاك يا سَندى»، وللتغلب على تردد الشيخ اقترح عليه الحكيم أن يأتى الأستوديو ويستمع إلى لحن بليغ، فإن راق له أداه، وإلا فليعتذر.
سحر الشيخ بلحن بليغ وغادر تردده. بليغ حمدى بذكائه الموسيقى المعروف اختار للحن مقام البياتى الداخل فى صميم الذائقة الموسيقية والروحية للقاعدة الأوسع من المصريين، الذين تأسرهم التواشيح والابتهالات ذات الطابع الصوفى، وبذكائه أيضا أدرك بليغ أنه من الصعب تقييد النقشبندى باللحن، هو الذى اعتاد الارتجال ولم يسبق له أن أدى بمصاحبة الموسيقى أبدا، لذلك ترك له مساحة للارتجال، جاعلا من أداء الكورال بمثابة الخلفية الموسيقية الضابطة لأداء اللحن، حتى أن بليغ وافق على تغيير بعض المفردات استجابة لرغبة النقشبندى، ومن ذلك تغيير عبارة «همس فؤداى» إلى «همس دعائى».
يومها قال بليغ للنقشبندى: «سأعمل لك لحنا يعيش مائة سنة». وبوسعنا اليوم القول إن اللحن سيعيش مئات السنين.