تبنت وكالة الطاقة الدولية، الممثلة لمصالح الدول المستهلكة للطاقة، توقعات جريئة بالتنبؤ، وهى أن يساعد الإنتاج المتزايد للنفط الصخرى الامريكى على تلبية معظم الطلب العالمى المستقبلى للنفط، بدلا من منظمة اوبك. وجاءت توقعات الوكالة هذه فى تقريرها نصف السنوى الذى يحلل الاتجاهات العالمية للعرض والطلب فى المدى المتوسط، والذى صدر فى منتصف هذا الشهر (13 مايو).
أشارت الوكالة إلى أنها تتوقع أن يرتفع الطلب العالمى على النفط 8 بالمائة خلال الفترة بين 2012 و2018 ليصل إلى مستوى 96.7 مليون برميل/ يوميا. لكن على خلاف الأنماط السابقة، حيث كانت دول منظمة أوبك تزود الأسواق بالإمدادات اللازمة لاستيعاب هذه الزيادة، فإن هذا الطلب الجديد سيلبى بشكل رئيس من خلال الإنتاج النفطى للدول غير الأعضاء فى المنظمة، بالذات عن طربق الزيادة فى الإنتاج للنفط الصخرى الامريكى، بحيث ستتجاوز الولايات المتحدة إنتاج روسيا، كأكبر منتج نفطى خارج منظمة أوبك فى أوائل عام 2015.
واستنتجت الوكالة فى الوقت نفسه أن إنتاج أوبك سيستمر قرب مستوياته الحالية عند مستوى 30 مليون برميل يوميا. طبعا، هذا رغم أن بعض الدول، بالذات السعودية، لا تزال تنتج دون الطاقة المتوافرة لها وهى نحو 12.50 مليون برميل/يوميا، ورغم أن العراق فى تطوير واسع لطاقته الإنتاجية من نحو 3 ملايين برميل/يوميا حاليا إلى نحو 9 ملايين برميل يوميا مع نهاية العقد. وهذا يعنى توافر طاقات إنتاجية عالية غير مستعملة عند أوبك، مما سيؤدى إلى ضعف مستوى الأسعار. وذكر التقرير أن الطاقة الإنتاجية الفائضة لدى أوبك سترتفع إلى ما يزيد على الربع لتصل إلى 6.4 أو 6.6 بالمائة من الطلب العالمى، مما سيضيف عاملا مهما فى استقرار الأسعار وانخفاضها عن مستوياتها الحالية.
وتوقعت الوكالة انتشار تقنية الإنتاج البترولى الصخرى فى كل من روسيا والصين، مما سيطور من احتياطاتهما البترولية غير التقليدية. لكن فى نفس الوقت استبعدت الوكالة تطوير هذه التقنية فى دول شمال إفريقيا بسبب عدم الاستقرار الأمنى.
●●●
يتداول خبراء الطاقة الاستنتاجات الممكن توقعها فى ظل هذه المعطيات، ومنها:
أن أسعار النفط ستستقر على مستويات أقل مما هى عليه الآن (نحو 100 دولار) نظرًا إلى زيادة الإمدادات فى الأسواق وتوفر طاقة إنتاجية فائضة كبيرة عند بعض الدول.
ستشهد أسواق النفط متغيرات أساسية فى المستقبل المنظور، لأن الولايات المتحدة تشكل حاليا أكبر دولة مستوردة للنفط الخام والغاز، لكن ستصبح بعد فترة وجيزة من الدول المصدرة الكبرى لكل من النفط الخام والغاز. هذا يعنى أنه بدلا من توجه إمدادات النفط الخام والغاز ستتغير الأمور رأسا على عقب. فعلى سبيل المثال، ستحاول مصانع تسييل الغاز فى قطر التى تم تشييدها من أجل التصدير إلى الأسواق الأمريكية، أن تحول وجهة صادراتها إلى أسواق أخرى، الدول الآسيوية بالذات، أو أن تشارك شركة قطر للبترول شركات النفط العالمية فى تصدير الغاز الصخرى من الولايات المتحدة. وهذا ما بدأ يحدث فعلا منذ الآن، كخطوة إستباقية لتغير الأسواق.
يعنى هذا أن نفوط الشرق الأوسط ستتجه مستقبلا بشكل متزايد نحو الأسواق الآسيوية، وبشكل أقل نحو السوق الأمريكية. وتشير بعض التوقعات إلى أن السعودية قد تصبح الدولة الشرق أوسطية الوحيدة التى قد تصدر نفطها الخام إلى الولايات المتحدة، حيث تكرر شركة أرامكو السعودية نفوطها فى المصافى التى تملكها أو لديها حصص فيها هناك.
●●●
وعلى عكس ما هو مشاع، لا تعنى هذه المتغيرات استطاعة الولايات المتحدة تحقيق برنامج «استقلال الطاقة» الذى طالما ما حاولت تحقيقه منذ عهد الرئيس ريتشارد نيكسون فى عام 1973، بعيد حرب أكتوبر والمقاطعة العربية. لقد ردد هذا الشعار وحاول تحقيقه جميع الرؤساء الأمريكيين منذ ذلك التاريخ، وحتى الآن. ففحوى الأمر هو أن الولايات المتحدة ستستمر فى استيراد النفط من كندا والمكسيك لحاجة مصافيها إلى أنواع معينة من النفوط لتكريرها، وهى نفوط من النوع غير المتوافر فى الولايات المتحدة، أو إنه أقل كلفة اقتصاديا فى إنتاجه فى الدول المجاورة لها. وهذا سيعنى أن أسعار النفط فى الولايات المتحدة ستتأثر بذبذبات الزيادة والانخفاض فى الأسعار العالمية، هذا ناهيك عن أسعار صادراتها التى ستتعرض هى بدورها لتقلبات الأسعار العالمية، حيث ستحاول التنافس مع النفوط الدولية الأخرى فى الأسواق العالمية. لذا، يبقى برنامج «استقلال الطاقة»، الذى يعنى فك اعتماد الولايات المتحدة عن الأسواق العالمية، سيبقى هذا الشعار صعب التحقيق.
إلا أنه فى نفس الوقت، ستعنى هذه المتغيرات الأساسية فى صناعة الطاقة تقليص مسئولية الولايات المتحدة فى حماية الطرق البحرية لتصدير النفط الخام. ومن المتوقع أن تطالب واشنطن حلفاءها فى أوروبا وآسيا فى المشاركة بصورة أوسع لوجستيا وماديا فى توفير هذه الحماية التى تتحملها الولايات المتحدة بشكل واسع، أكبر بكثير من غيرها من الدول الكبرى.
من نافلة القول، أن ثورة البترول الصخرى الأمريكى ستترك بصماتها على صناعة النفط والغاز العالمية. لكن بما أن هذه الثورة فى بداية عهدها، فمن الصعب التنبؤ بدقة ومنذ الآن بالآثار التى ستتركها. ومن الأمور الواجب مراجعتها هو اقتصاديات هذه الصناعة كلما طال الإنتاج من هذه الحقول، ناهيك عن توسعها بسرعة وبشكل واسع خارج الولايات المتحدة.
مستشار فى نشرة ميس MEES النفطية