يناقش زعماء العالم فى اجتماعهم بالأمم المتحدة القضايا المتعلقة بالأمراض غير المعدية والتى تتسبب فى نسبة ثلثى حالات الوفاة فى العالم سنويا. تلك الأمراض المزمنة مثل أمراض القلب والسكر والسرطان والعظام التى تؤثر بصورة مباشرة على نوعية حياة الإنسان فيعانى من تداعياتها لفترة طويلة تعوقه عن نشاطاته الطبيعية. إحدى تلك القضايا المهمة هى موقف العالم من إنتاج الأدوية الحيوية خاصة أن الوقت قد حان لنهاية براءة اختراع بعضها، الأمر الذى سيجعلها متاحة للإنتاج من قبل بلدان العالم الثالث التى تحتاجها بشدة ولا تستطيع الحصول عليها لارتفاع أسعارها إلى درجة غير مسبوقة.
الأدوية الحيوية نقلة تكنولوجية هائلة فى صناعة الدواء. إذ تعتمد على خلايا الباكتيريا المعدلة وراثيا فى إنتاجها، الأمر الذى يستوجب ضرورة اختبارها على عدد من المرضى أكبر كثيرا من الأعداد التى تشترطها الدراسات التى تجرى لتحضير واختبار الأدوية العادية. تحضير وإنتاج تلك الأدوية الحيوية بالفعل يحتاج لميزانيات هائلة. وإذا أضفنا إليها الأرباح الخفية والمعلنة التى تحققها شركات الأدوية العملاقة لعرفنا أن حصول فقراء العالم على تلك الأدوية ــ التى تتسم نتائجها بالقدرة على تحقيق معدلات الشفاء فى أمراض خطيرة مثل السرطان والسكر والتهاب المفاصل الروماتويدى ــ أمر مستحيل.
الواقع أن شركات الأدوية فى الهند والصين تستحوذ على ما يقارب 80٪ من تصنيع المواد الفعالة فى تلك الأدوية نظرا لرخص الأيدى العاملة بها ومصروفات الإنتاج، الأمر الذى يرشحها لأن تنتج هذه الأدوية بصورة كاملة وبسعر أقل إذا ما استطاعت الحصول على هذا الحق بعد انتهاء فترة حق براءة الاختراع. فهل تنجح فى ذلك؟ هل سيدعمها المجتمع الدولى أم أنه سينحاز لأمريكا وشركات الأدوية العملاقة التى بدأت بالفعل تمارس ضغوطا هائلة للالتفاف حول القانون الدولى الذى يسمح للدول بإجبار الشركات على مشاركة تلك الحقوق مع الآخرين بعد انقضاء عشرين عاما هى فترة حق امتلاك براءة الاختراع فى ظروف تتطلبها مقتضيات الصحة العامة، وهذا هو مربط الفرس فى تلك القضية المهمة. فأى ظروف سترفعها أمريكا فى وجه العالم لحماية شركات الأدوية وحماية مصالحها الاقتصادية؟
منذ سنوات عشر استطاعت جهود إنسانية قوية أن تقنع شركات الأدوية العالمية أن تتنازل عن حق براءة الاختراع لصالح مرضى الإيدز فى العالم، الأمر الذى يسمح الآن لكل مرضى العالم تقريبا تلقى العلاج بعد أن أصبحت تكلفته عشرين سنتا فى اليوم. يبدو أن الأمر قد يكون غير مقنع هذه المرة، إذ إن شركات الأدوية العملاقة ترى أن السرطان والسكر وكل الأمراض المزمنة الأخرى غير المعدية لا تقارن بخطورة مرض الإيدز.
لنا الله من قبل ومن بعد..