قوة 9 نوفمبر - توماس فريدمان - بوابة الشروق
الأربعاء 5 فبراير 2025 3:49 ص القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تتوقع نجاح اتفاق الهدنة في غزة؟

قوة 9 نوفمبر

نشر فى : الإثنين 26 أكتوبر 2009 - 10:41 ص | آخر تحديث : الإثنين 26 أكتوبر 2009 - 10:41 ص

 شهد الأمريكيون قبل أسابيع قليلة، «إحياء ذكرى» مرور ثمانية أعوام على يوم 11/9من عام 2001 الذى شهد انهيار البرجين التوأمين بهجوم من القاعدة. وفى غضون أسابيع قليلة، «يحتفل» الألمان بالذكرى العشرين ليوم 11/9 ذلك اليوم من عام 1989 الذى شهد انهيار سور برلين فى أعظم تجل لقوة الشعب ليس له مثيل.

وبينما يحاول فريق أوباما التقدم على الجبهات الأفغانية والباكستانية والإيرانية، ينبغى عليهم التوقف للحظة للتفكير فى كيف يحتفل الألمان بيوم 9/11، فى حين نحيى نحن ذكراه، ويجب أن ينصب الحوار بالأساس على ما إذا كان علينا أن نعيد غزو أفغانستان حتى لا تعود ملجأ آمنا للقاعدة ونحول دون نشوب حرب أهلية فى باكستان.

وأهم فرق بين اليومين هو «قوة الشعب». فقد أوضح الألمان للعالم كيف يمكن للأفكار الجيدة عن توسعة حرية الإنسان التى تعززها قوة الشعب أن تسقط جدارا ومعه مجمل منظومة السلطة الأوتوقراطية، كل هذا من دون طلقة واحدة. وفى ميدان أونتر دير لِندِن الآن يوجد الآن محل دانكن دونتس بالقرب من بوابة براندنبيرج، حيث تركزت يوما كل تلك القوة الشعبية. وبالرغم من أننى من النوع الذى يصيبه الفزع من وجود مطاعم الوجبات السريعة الأمريكية بالقرب من الأماكن التذكارية، إلا أننى رأيت فى وجوده هذه المرة نوعا من العلاج، حيث كان المكان جرحا مفتوحا بين الشرق والغرب. فقد انتهت بالفعل الحرب فى أوروبا. وانتصرت قوة الشعب. ويمكننا أن نتنازل ونتغاضى عن وجود الدونتس.

على النقيض من هذا، يبين 11/9 كيف يمكن للأفكار الشريرة التى يعززها استعداد عدد محدود من الناس للانتحار هدم ناطحات السحاب وتكبيل بلد كبير؟.

وقد تجولت فى ميدان باريس فى يوم آخر مع أورليك جرالفس، مديرة البرامج بالأكاديمية الأمريكية ببرلين، بوصفى زائرا، وذكرت أثناء طوافنا أنها كانت فى أمريكا يوم 11/9، كطالبة بجامعة بنسلفانيا، بينما كانت تقف يوم 11\9\1989، وهى تلميذة عمرها تسع سنوات بجوار حائط برلين. وأدهشتنى ذكرياتها عن اليوم.

وقالت إنها أُخِذت فى 11/9 بمشاعر «الغضب والألم» التى كان يشعر بها كثيرون من زملائها فى الجامعة سيطرت عليها، وهى مشاعر حادة جعلت من المستحيل عليهم أن يروا ما كانت تراه هى، الطالبة الأجنبية: «إلى أى مدى كان العالم يقف مع أمريكا فى ذلك اليوم؟». على النقيض من هذا «كان كثيرون»، فى 11\9\1989، على حد قولها، «كانوا يغنون ويرقصون ورفعنى أحدهم فوق الجدار. لا يزال هذا يثير شجونى حتى الآن. لقد رأيت والدى يقفز إلى الجانب الآخر من الجدار. كنت مذعورة. كان السور عاليا جدا. وخشيت من أن يلقى أبى حتفه. ودخل فى جدال مع جندى ألمانى شرقى. لكن الجندى لم يفعل شيئا. اكتفى بالوقوف متصلبا فى مكانه».

وانتصرت قوة الشعب، ومنذ ذلك الحين تعيش ألمانيا موحدة ومستقرة.

والمشكلة التى نسعى لعلاجها مع العالم العربى الإسلامى اليوم تتمثل فى الغياب التام لشعوب هذا العالم أو ضعفها. وهناك حرب فكرية تدور اليوم فى العالم العربى الإسلامى، وتتخذ فى الكثير جدا من الأحيان شكل حرب مواجهة «بين الجنوب والشمال» الأفكار الجيدة فى مواجهة الأفكار الشريرة، التى يضخمها العنف، بدلا من أن تكون أفكارا شريرة فى مواجهة أفكار جيدة تضخمها قوة الشعوب.

وفى أماكن مثل السعودية أو أفغانستان أو باكستان، توجد حركات دينية متطرفة تلجأ إلى العنف فى مواجهة قوات أمن الدولة. وبينما تتعهد الأنظمة فى هذه البلاد بقمع المتطرفين فى بلادها، نادرا ما تتصدى لأفكارهم المتطرفة بتقديم بدائل تقدمية. ويعود هذا فى جانب كبير منه إلى أن المذهب المتزمت الذى تتبناه الدولة السعودية أو شرائح من الجيش الباكستانى لا يختلف كثيرا عن مذهب المتطرفين. وعندما يستهدف هؤلاء المتطرفون بلدا آخر كالهند أو الشيعة أو الإسرائيليين فإن هذه النظم تقف موقف اللامبالاة. وهذا ما يفسر غياب حرب أفكار حقيقية فى هذه البلاد، وإنما حرب وحسب.

ولا تشجع هذه البلاد على التوصل إلى تفسير شامل وتقدمى ومتسامح للإسلام يمكن أن يشكل ركيزة لقوة الشعوب. وعندما تخرج شعوبهم إلى الشوارع، عادة ما يكون هذا موجها ضد شعب آخر لا من أجل توحيد صفوفه حول أفكار جيدة. فقد خرجت مسيرات كثيرة تستنكر الرسوم الكارتونية الدنماركية المتعلقة بالنبى محمد وليس لإدانة الانتحاريين المسلمين الذين قتلوا المدنيين الأبرياء، وكثيرين منهم من المسلمين.

وتعد ثورة الأرز فى لبنان والصحوة السنية فى العراق والثورة الخضراء فى إيران من أكثر الحركات الواعدة بظهور قوة شعبية حقيقية. لكن التدخل السورى والانقسامات الداخلية تضع العراقيل فى طريق ثورة الأرز. ونجحت القبضة الحديدية للنظام الإيرانى، المدعومة بالبترو دولارات، فى قمع انتفاضة طهران. ولا نعرف ما إذا كان العراقيون سيتخلون عن روحهم القبلية من أجل حشد قوة شعبية تضم الجميع.

من هنا، ونحن نسعى لتقدير حجم القوات التى ينبغى إرسالها لتحقيق الاستقرار فى أفغانستان وباكستان، دعونا نتذكر: عندما تقترن قوة الشعب بالأفكار التقدمية، يسود الأمل ويمكن لقوة أمريكا أن تقدم العون. أما إذا سُخرت قوة الشعب لخدمة الأفكار الشريرة، فلن نجد إلا الخطر. فعندما تغيب قوة الشعب ولا نجد إلا الأفكار الشريرة وحدها، لن نشهد نهايات سعيدة.

New York Times Syndication

توماس فريدمان  صحفي أمريكي مهتم بشئون الشرق الأوسط
التعليقات