شكلت عملية الدهس التى جرت أمس الأول، وأدت إلى مقتل الطفلة حايه زيسل بار أون وإصابة سبعة آخرين ذروة موجة العنف التى تعصف بالقدس منذ ثلاثة أشهر. فالمظاهرات العنيفة ورشق الحجارة والزجاجات الحارقة والمواجهات مع الشرطة لم تتوقف منذ مقتل الفتى محمد أبو خضير فى مطلع يوليو الماضى.
فى أعقاب علمية الدهس دعا أمس سياسيون من اليمين على رأسهم رئيس الحكومة إلى تشديد القبضة ضد مثيرى الشغب. وفى النقاشات التى أجراها نتنياهو جرت الموافقة على زيادة كبيرة فى القوى البشرية والإمكانات التكنولوجية المخصصة لشرطة القدس، بهدف منع تدهور الوضع. بيد أن الحل فى القدس لن يتحقق من خلال استخدام المزيد من القوة والإخضاع.
فى جلسة الأمس كرر رئيس الحكومة العبارة الفارغة «القدس الموحدة كانت وستبقى عاصمة إسرائيل إلى الأبد»، وتعهد بإعادة الهدوء والأمن إلى القدس، والرد بشدة على «كل محاولة للمس بسكانها». كما هاجم نتنياهو الرئيس الفلسطينى محمود عباس، واتهمه بأنه هو الذى ينظم ويوجه أطفال الحجارة فى القدس، وانتقد المجتمع الدولى بسبب «رخاوته» وقال: «لا يوجد عندنا مثل هذه الرخاوة. سنتمسك بحقوقنا وواجباتنا فى الدفاع عن عاصمتنا، وسنفعل ذلك بقوة، وسننتصر».
بيد أن العنف فى القدس لم يولد من فراغ، ولن ينتهى جرّاء «التصميم» الذى يبديه رئيس الحكومة. إن جذور هذا العنف مغروسة عميقا فى مشاعر اليأس والخوف لدى السكان الفلسطينيين فى المدينة، فانهيار العملية السياسية، والدعوات إلى تغيير الوضع القائم فى جبل الهيكل (الحرم القدسى)، والإهمال المتعمد للأحياء الفلسطينية من جهة، مقابل التشجيع الرسمى لتوسيع المستوطنات فى قلب هذه الأحياء من جهة أخرى، كل ذلك يشكل المستنقع الذى ينمو فيه العنف والإرهاب.
إن تجاهل جذور المشكلة والتشديد على تطبيق القانون والعقاب لن يحلا المشكلة بل من شأنهما أن يفاقماها، فالمطلوب هو طرح أفق سياسى يجرى فى إطاره طرح إحدى أهم المسائل الجوهرية فى النزاع الفلسطينى ــ الإسرائيلى، ألا وهى مكانة مدينة القدس.