مصر الآن بامتداد خارطتها تشبه قطنة مبللة بالكيروسين، بينما الكل إما ممسكون بسجائر العنف المحشوة بالاحتقان الطائفى والسياسى والاجتماعى.. أو يتلهون بألعاب نارية قد تندلع منها شرارة واحدة لتشعل حريقا يأتى على الأخضر واليابس.
وما جرى فى الجيزة يبدو ــ للأسف ــ قابلا للتكرار مادامت أسبابه قابعة تحت جلد قطاع لا يستهان به من المصريين، خصوصا إذا كانت الدولة مصممة على الاحتفاظ برخاوتها وميوعتها، كما أن بعضا ممن يفترض فيهم الحكمة والكياسة يتصرفون من منطلقات غوغائية أحيانا.
لقد أغلقنا الجرح فى أحداث سابقة مشابهة على تقيحاته دون أن نعالج أصل الداء، وتوهمنا أن كل شىء على ما يرام لمجرد أن النزيف الذى ظهر هنا أو هناك قد توقف، بينما بكتيريا الاحتقان تتكون وتتكاثر من جديد تحت الجلد.
والحاصل أن كل الحلول كانت غارقة فى المواءمات السياسية والاجتماعية، متناسين أن هناك دستورا وقانونا يحكمان الجميع، يجب تطبيقهما بصرامة على الكل، الأمر الذى ألقى بنا فى النهاية فى أتون دائرة جهنمية من التوتر.
ولا يحاول أحد أن يوهمنا بأن الأحداث الدامية التى شهدتها منطقة العمرانية مقطوعة الصلة بألاعيب ومناورات العملية الانتخابية، فالثابت أن ما جرى كان استثمارا لمناخ انتخابى فاسد يقوم على المناورات والصفقات، ومن ثم كان طبيعيا أن تسعى أطراف للحصول على ما تريد، بطرق غير شرعية، بصرف النظر عن شرعية المطالب والرغبات من عدمها.
ومرة أخرى فإن توقيت تفجر، أو بالأحرى تفجير، هذه الأحداث مثير للريبة والقرف، حيث يأتى قبل أيام قلائل من دوران آلة الانتخابات البرلمانية، وفى معمعة المواجهات والصدامات بين الأمن والإخوان، وعليه فما الذى يضمن ألا يتحول يوم الاقتراع إلى بحيرة من العنف تسبح وتتصادم فيها تيارات مختلفة وأمواج متباينة من الرغبات والأحلام، المشروع منها وغير المشروع، سواء على أساس طائفى أو قبلى أو مجتمعى، بالنظر إلى أن المدينتين الكبريين (القاهرة والإسكندرية) محاطتان بأحزمة ناسفة من العشوائيات المليونية.
وأخشى أن أقول إن الظروف الراهنة غير مواتية بالمرة لإجراء الانتخابات، سواء على المستوى الأمنى، أو الاجتماعى والسياسى، ولذا أزعم أنه من الأفضل للجميع أن نفضها سيرة ونرجئ هذه الانتخابات التى تقول المؤشرات إنها لن تكون فوق مستوى الشبهات.
ويبقى أن كل الجهود يتحتم أن تتركز الآن فى محاولة مخلصة لمعالجة الداء قبل أن ينتشر ويستفحل فى مفاصل وطن يلعب بالنار.