أقصد بالمسألة الإسلامية كيفية التعاطى مع الإسلام ومسلمى أمريكا فى خضم الانتخابات الأمريكية التى بدأ موسمها مبكرا وملتهبا. وللمسألة الإسلامية جوانب ثلاثة أولها يتعلق بالمواقف العدائية غير المسبوقة التى يطلقها المرشحون فى سباق الانتخابات الأمريكية تجاه الإسلام كعقيدة دينية، وما يرتبط بها من خطابات عنصرية تطالب بالتضييق على مواطنى أمريكا من المسلمين. وثانيها يرتبط بالأسباب الحقيقية أو المتخيلة والمصطنعة والتى تؤجج حجج الإسلاموفوبيا المتزايدة، وثالثها يتعرض للإطار الدستورى المرتبط بالمسألة الإسلامية داخل أمريكا.
***
وعلى الرغم من تناغم المسلمين فى النسيج المجتمعى الأمريكى بصورة أكبر من نظيراتها فى أى دولة غربية أخرى، وهو ما يظهر فى تمتعهم بمستويات تعليمية ووظيفية ومالية أكبر مما يتمتع به المواطن الأمريكى فى المتوسط، إلا أن مسلسل الانتخابات الأمريكية، وما تزامن معها من بروز تنظيم الدولة (داعش) الإرهابى، ونزوح ملايين السوريين كلاجئين حول العالم، ووقوع هجمات فى قلب أوروبا، ترك أثرا سيئا عليهم. ويستغل بعض المرشحين الجمهوريين الخوف من الإرهاب فى التحيز ضد المسلمين، وأفرز التنافس الحاد على بطاقة الحزب الجمهورى، أملا فى الفوز بترشيحه فى السباق الرئاسى نحو البيت الأبيض، مواقف تصل إلى درجة العداء المعلن الذى يتنافى مع صريح مواد الدستور الأمريكى. وكانت البداية مع المرشح بن كارسون، الذى يحصل فى متوسط الاستطلاعات على 20% من الأصوات، حين أثار جدلا بتصريحاته حول رفضه تولى شخص مسلم رئاسة الولايات المتحدة، لأن هذا الرئيس، وفقا لكارسون، قد يحتكم إلى الشريعة الإسلامية التى تنافى مع الدستور فى قيادته للبلاد. ثم شبه كارسون بعد ذلك اللاجئين السوريين بالكلاب المسعورة. أما المرشح الأوفر حظا حتى اليوم، دونالد ترامب الذى تمنحه متوسط الاستطلاعات 30% من أصوات الجمهوريين، فقد ذكر أنه سيفكر بجدية فى إغلاق عدد من المساجد، ووضع عددا آخر تحت المراقبة، كما وعد بإصدار هويات شخصية خاصة بالمسلمين، وربما إنشاء قاعدة بيانات لتسجيل وتتبع جميع المسلمين الذين يعيشون فى الولايات المتحدة. وفى وسط هذا الجدال طالب مرشح ثالث هو السيناتور تيد كروز «بإدخال اللاجئين السوريين المسيحين إلى أمريكا ولكن ليس المسلمين».
***
ولم تأت هذه النغمة الجمهورية العدائية من فراغ، فهناك صورة نمطية سلبية عن الإسلام والمسلمين بصفة عامة تدعمها الممارسات الشاذة والإرهابية التى يقوم بها المتطرفون ممن ينتمون للديانة الإسلامية. وساهمت هجمات 11 سبتمبر 2001، وما تلاهما من غزو لأفغانستان والعراق، بكل ما حمل من مآسى وفضائح وجرائم فى الإضرار بالعلاقات الأمريكية الإسلامية. وأشارت دراسة حديثة، لمؤسسة بيو لدراسة الرأى العام، على عينة عشوائية من 1504 مواطنين أمريكيين أن 63% من الأمريكيين يعتقدون بوجود تمييز ضد المسلمين بصورة أو أخرى، فى حين يعتقد 19% فقط بعدم وجود أى تمييز. كما أشارت الدراسة إلى اعتقاد 46% من الأمريكيين أن الإسلام يشجع العنف فى حين نفى 42% وجود علاقة بين الديانة الإسلامية وأعمال العنف. وانقسمت تجربة المسلمين الأمريكيين منذ أحداث سبتمبر 2001 بين ما هو إيجابى وما هو سلبى. إيجابيا طور المسلمون خبرات فى التعامل مع تحديات التمييز العنصرى، وزاد إيمانهم بضرورة وقيمة العمل السياسى والقانونى والحقوقى بشكل عام. وعلى الرغم من أن المسلمين الأمريكيين لا ينشطون سياسيا على المستوى القومى العام، إلا أن الاستثناء ظهر فى مجلس النواب (أحد مجلسى الكونجرس بالإضافة لمجلس الشيوخ) الذى يضم حاليا نائبين مسلمين، النائب كيث أليسون –ديمقراطى ــ ولاية مينيسوتا، والنائب أندريا كارسون ــ ديمقراطي ــ ولاية أنديانا. وتمثل الجانب السلبى فى زيادة حالات التمييز العنصرى ضد المسلمين والعرب سواء فى أماكن العمل والدراسة أو التسوق.
***
ورغم حساسية المسألة الإسلامية فى السياسة الأمريكية، لا يعرف أحد بدقة أعداد المواطنين الأمريكيين من متبعى الديانة الإسلامية، وذلك لأن الإحصاءات الرسمية الحكومية لا تأخذ الدين بعين الاعتبار لأنه يعد أحد أهم الحقوق والحريات الإنسانية الخاصة التى لا يجب أن تتدخل فيها الدولة. وتقدر بعض الاستطلاعات المستقلة أعداد المواطنين الأمريكيين المسلمين بنحو 7 ملايين مسلم لديهم ما يقرب من 2500 مسجد يتوزعون فى كل الولايات الأمريكية الخمسين. ولمسلمى أمريكا ما يقرب من مليونى ناخب. ويتمتع المسلمون بوجود جيد فى الولايات المتأرجحة swing states فى الانتخابات الرئاسية القادمة، وهى ميتشجان وأوهايو وفيرجينيا وفلوريدا. ويعنى ذلك تأثيرا كبيرا لأصوات الأمريكيين المسلمين إن أحسن استغلالها. وعلى سبيل المثال يُمثل المسلمون 5% من الناخبين فى أوهايو، وتزداد النسبة فى ولاية ميتشجان عن ذلك. ومع أن نسبة أصوات الأمريكيين المسلمين تبدو صغيرة، إلا أنها نسبة شديدة الأهمية، وقد تُغير مسار الانتخابات الرئاسية، ففى انتخابات 2000 فاز جورج بوش بأصوات الأمريكيين المسلمين على منافسه آل جور بنسبة 7.5% نقطة، ولم يفز بوش فى النهاية بالرئاسة إلا بفارق 537 صوتا فقط فى ولاية فلوريدا.
***
وعلى الرغم من أن المجتمع الأمريكى يعد أكثر المجتمعات الغربية تدينا، إلا أن علمانية الدولة دستوريا متفق عليها سياسيا واجتماعيا وقضائيا. ويبدأ الدستور بعبارة «نحن الشعب» ولا تحتوى الوثيقة على أى ذكر لكلمة الرب أو المسيحية (ديانة ما يقرب من 92% من الأمريكيين).
واستخدمت كلمة دين فى الدستور على نحو معاكس تماما للتأكيد على عدم التمييز بين المواطنين على أساس عقائدهم، فالفقرة السادسة من الدستور تنص على أنه ليس من الوارد إجراء اختبار دينى لأى شخص يرغب فى شغل أى وظيفة حكومية. كما نص أول تعديل أدخل على الدستور ينص على أن الكونجرس لن يقوم بأى حال من الأحوال بتشريع قانون قائم على أساس دينى.
***
خلال حفل الإفطار الرمضانى الأخير بالبيت الأبيض، قال الرئيس الأمريكى «علينا أن نظل أوفياء لأسمى مثلنا الأمريكية، ليس هناك مكان للانقسامات الزائفة بين الأعراق والأديان. كلنا أمريكيون، وكلنا متساوون فى الحقوق والكرامة، ومن المحظور إطلاقا استهداف أيا من كان أو الانتقاص من قدره بسبب دينه، وهذا ما يجعلنا أقوياء. وعلى الرغم من كلمات أوباما، يوفر الخطاب السياسى الجمهورى الحالى فرصة كبيرة.
للإرهابين، وربما يدعمها ما يتعرض له المسلمون فى أمريكا أحيانا من خوف وتمييز. فهل ينتصر الجمهوريون للمتطرفين والإرهابيين؟ أم أنهم سينتصرون لقيم ومبادئ الدستور الأمريكى النبيلة.