اشتراطات البناء فى القرية المصرية - وائل زكى - بوابة الشروق
الأربعاء 18 ديسمبر 2024 11:46 م القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

اشتراطات البناء فى القرية المصرية

نشر فى : السبت 26 نوفمبر 2016 - 10:05 م | آخر تحديث : السبت 26 نوفمبر 2016 - 10:05 م
مما تدور حوله النقاشات بلجنة الإسكان بمجلس النواب هذه الأيام حول تعديلات قانون البناء الموحد 119 لسنة 2008 عدة اختناقات أمام القانون تعوق عمله أو اكتمال دوره لإيجاد مناخ ملائم لحل مشاكل الإسكان، من هذه الاختناقات إمكانية البناء فى الريف واستغلال الاتساع القروى للمد العمرانى عليه، وفى ظل عدم تحديد القانون الحالى لاشتراطات البناء داخل القرى كان مقترح اللجنة الذى مازال تحت الدراسة بالسماح ببناء دور أرضى ودورين علويين مهما كان عرض الشارع بالقرى والكفور والنجوع.
القرية المصرية.. كما كنا نعهدها، رائحة الريف الطيبة والمناخ العليل والخير الوفير، القرية التى لا يوجد فيها «سوبر ماركت» فأهلها فى غنى عن شراء لوازمهم منه، يخبزون رغيفهم ويربون ماشيتهم وطيورهم ولديهم جميع منتجاتها، وكم من مشروع تسمين نجح فى قراه حتى صار الفلاح يسكب اللبن فى المصارف، وفاق الانتاج الاحتياج ولم يجد من يستغله فينقله ليحوله إلى منتجات الزبد ومشتقاتها أو يحوله إلى أجبان بأنواعها وزبادى.

كثيرون منا يستطيعون الولوج إلى موقع «جوجل»، فاستطلعوا دلتا مصر، كم أخذت القرى فى الاتساع حتى قاربت على الالتصاق ببعضها، انظروا إلى تخوم شمال القاهرة الكبرى وامتدادات قراها، بل الأدق ما صارت إليه أراضيها الزراعية التى تقلصت، فما هو مصير الأراضى الزراعية بالدلتا والشرق والغرب منها والوادى، ومازال الانتقاص من الأراضى الزراعية التى لم نصبح نعيش على انتاجها بل نعيش عليها هى ذاتها، نتزايد فى نفس النسبة المستغلة من أراضى الجمهورية، كأننا فى عناد مع النفس وتحدٍ مع قدراتنا على التحمل والاستمرار فى الحياة دون أراضٍ زراعية، ولسوف نعمل ونكد لكى نستورد قوت يومنا، علام نراهن وخيرنا ندوسه بالأقدام حين نبنى عليه ونمتد على كل شبر فيه والصحراء حولنا ننتظر معجزات تحولها للأخضر؟

***

ومثلما دبت العشوائية بمعظم مدن مصر، فقد دبت فى هيكل القرية المصرية، وأصابت كيانها الوظيفى والعمرانى، هل شاهدت فلاح يعمل بفلاحة الأرض يسكن بأسرته الطابق الرابع ولديه مواشى أسفل العمارة؟ أليست كل تلك الارتفاعات الضاربة حول امتدادات القرى خاصة المتاخمة منها للمدن يقطنها العاملين بالخدمات والتجارة والنقل وما ينتمون له من أسلوب حياة شبه حضرى وما يتطلبونه من نظم مدنية لتنظيم ممارسة حياتهم ونظام كفء تنموا فى ظله أعمالهم، فكما تشتكى أيها الحضرى داخل مدينتك من تلك الشواهد العشوائية التى تمارس بأسلوب ريفى لتبرز فى مدينتك مظاهر قروية تشوه شكل المدينة وتنعتها بالعشوائية، أيضا يشتكى الريفى داخل قريته من تلك الشواهد العشوائية التى تمارس بأسلوب حضرى لتبرز فى قريته مظاهر مدنية تشوه وجه القرية ومن حقه أن ينعتها بالعشوائية.

هل صدمك ذلك المقطع «الشواهد العشوائية التى تمارس بأسلوب حضرى»؟، إن كل فعل يخالف الهدف أو يأتى على غير بينة من الأمر الراهن وتبصرة بالمستقبل الآتى، هو فعل عشوائى يستوى فى ذلك الحضر والريف، نعم أصبحت القرية مشوهة ودبت فيها العشوائية وأصابت هيكلها، فلم يكن ينقصها سوى أن نعتليها بدورين أو ثلاثة ونقنن لذلك ونفتح الباب على مصراعيه لسماسرة البناء ليرتفع ثمن متر الأرض بالقرية ويبيع كل محتاجيها بيوتهم لصالح السماسرة ليعلو البناء ولا بأس من المخالفة، فقد باتت عرفا تأتى بعده المصالحات، إن كانت هناك رقابة، فالمحليات تشتكى نقص موظفيها فى إدارات التنظيم فهل درس المقترحون حينما يفتحون الباب أمام كل قرى مصر لتنهض بانية على دورِها طوابق عدة دون النظر إلى مشاكلها التى ترزح تحت نيرها منذ عشرات السنين.

لدينا جهاز تنمية القرية المصرية منذ ما يقرب من خمس وأربعين سنة يعمل فى صمت، والصمت يعمل فيه، لدى الجهاز مئات من مخططات القرى تتبع عشرات من مشروعات التنمية وإعادة التخطيط والارتقاء والتحسين وقل ما شئت من مسميات العمل التنموى والعمرانى، فهل من متابع وهل من مستفيد؟ لقد ثارت نقاشات بمجلس الشعب خلال النصف الثانى من تسعينيات القرن الماضى حول سبل التنمية الاقتصادية والحفاظ على الأراضى الزراعية من جهة وسبل التنمية العمرانية والامتداد الإسكانى من جهة أخرى، حتى تقرر عمل تخطيط للقرية المصرية بدأ بالمشروع الإرشادى أوائل العقد الأخير من القرن الماضى، فما كان أساس التخطيط فيه؟ كان محاولة لضبط الامتداد العمرانى بما لا يتجاوز الحيز العمرانى طبقا للتصوير الجوى للقرية عام 1976!.. نعم حيث لم يكن هناك حيز عمرانى طبقا لهذا التاريخ إلا وصار ضمن الكتلة القائمة للقرية وقد تخطاه عمرانها من معظم الاتجاهات، فصارت المخططات تضع حيزا جديدا يشمل الكتلة القائمة مع تهذيب الزوائد وفى حدود عشرة بالمائة من مسطح الكتلة المبنية.

وفى الواقع لم يكن هناك مخطط لتنمية القرية بالمفهوم التنموى، وصار ما حدث اعترافا بجميع الامتدادات التى استمرت بلا ضابط بالقرية اللهم إلا ما تقوم به وزارة الزراعة التى بيدها مقاليد التصرف فى الأراضى الزراعية، وأنا هنا لست ضليعا ببواطن أمور وزارة الزراعة فيما يتعلق بأجهزتها المعنية وما يدور فيها، ولكنى لامس فقط كمن هو شاهد على الواقع المنتقص يوما بعد يوم من الأراضى الزراعية، وكم من أحكام قضائية فى هذا الصدد لم تنفذ وكم من تبوير جارٍ للأراضى المتاخمة، بل وكم من ساعٍ لضم أراضٍ زراعية داخل الحيز العمرانى للمدن والقرى، أرجوك أن تكرر قراءة تلك الجملة الأخيرة فى ظل مطالبات بأن تقوم المحليات بوضع مخططاتها الاستراتيجية.

***

إن اقتراح السماح لمبانى القرية بالارتفاع دورين فوق الأرضى، ولا يخفى أن ذلك حادث فى الكثير من القرى بالفعل خاصة المتاخمة والقريبة من المدينة، ما هو إلا تكريس للكثافة السكانية بالوادى والدلتا وتكريس للكثافة البنائية بما تجلبه من مشاكل فى البنية الأساسية والخدمات، هذه الدعوة بمثابة فتح باب للمضاربة على المبانى والأراضى لانتقالها من المدن إلى قلب القرى على جميع أرجاء مصر، دون دراسة وافية لمتطلبات ضبط واقع العمران الريفى والقرية.

إن ما تحتاجه القرية هو قانون خاص بها للبناء بالقرية المصرية تشترك فى وضعه الزراعة والإسكان والمحليات ويصاغ بإلزام موحد لكل الجهات والتخلى عن قانون موحد لكل المبانى بالمدن والقرى، من أين التوحيد بين أسلوبى حياة حضرى وريفى وشكلى عمران مدنى وقروى فى قانون بناء واحد دون إهدار قيمة أحدهما؟، مطلوب عقد دراسة وافية من جهات التخصص تقوم على تصنيف القرية القائمة وضبط البناء بقرى مناطق الاستصلاح لضبط تحايلات الامتداد العمرانى وتحول النشاط، وشمول القانون وضعا مشجعا للامتداد نحو الصحراء فى تخوم الأراضى الزراعية وإعطاء دور للتعاونيات والشركات فى هذا المضمار، مع التأكيد على احتياجنا لذلك المستوى العمرانى الواقع بين المتصل الريفى الحضرى والمسمى بالمجمعات الزراعى صناعية التى أصبحت محل اهتمام دول زراعية كثيرة وتعمل على الصناعات الوسيطة والتحويلية القائمة على الإنتاج الزراعى وبذلك تضمين ضبط إنشاء وعمل تلك النوعية من القرى داخل قانون البناء بالقرية المصرية.
وائل زكى استشاري التخطيط العمراني وعضو مقيم عقاري بلجان طعون الضرائب العقارية، ويعمل كأستاذ للتخطيط العمراني وتاريخ ونظريات تخطيط المدن ومدرب معتمد إدارة المشروعات
التعليقات