احسب عدد الأغانى التى رددتها الشعوب العربية منذ بدايات القرن الماضى عن الوحدة الكاملة والوحدة الشاملة والوحدة التى لا يغلبها غلاب.. ارجع لأغانى عبدالوهاب وأم كلثوم وعبدالحليم ووردة وفايزة أحمد وشادية ونجاح سلام وصباح ونجاة، ستكتشف أن العرب استهلكوا مئات الهكتارات من أخصب أراضى أبجديات الوحدة.
من «كل أخ عربى أخى» لعبدالوهاب إلى «وطنى الأكبر» بمشاركة أفذاذ الغناء العرب إلى محمد قنديل وهو يردد «أنا واقف فوق الأهرام قدامى بساتين الشام»، استرجع كل ذلك ثم الق نظرة على بؤس المشهد الراهن فى السودان، حيث يتحركون الآن فقط لمحاصرة ألسنة حريق الانفصال.
وبعد أن كان البعض يتندر على فكرة إعادة وحدة مصر والسودان وتكاملهما، بحجة أن ذلك من شأنه أن يفتت حلم الوحدة العربية الكبرى، على اعتبار أننا «أمة عربية واحدة ذات رسالة خالدة»، ها نحن عراة الآن وسقف الوحدة ينخفض حتى يقرع رءوسنا إلى الحد الذى نحاول فيه إبقاء السودان موحدا.
انظر إلى أعلى الخريطة، هناك فى العراق، حيث انخلع شماله معلنا هوية كردية خالصة، على أن وسطه وجنوبه ليسا بمنأى عن الرغبات الانفصالية الانعزالية، وانظر فى فلسطين المحتلة، ستجد شبه دولة فى غزة ومثلها فى رام الله.. باختصار تضاءل حلم الوحدة فى العقيدة السياسية لدى الحكام، وفى وجدان الشعوب من مشروع لحياة أفضل ووضع حضارى أقوى إلى مجرد فكرة رومانسية عبيطة، وفى بعض الأحيان نكتة.
والآن والسودان فى طريقه للتشظى والتناثر، نلوم من؟
الحل الأسهل أن نطلق رصاص الاتهامات على الاستعمار الغاشم والغرب القاتل والقوى الدولية الشريرة والصهيونية العالمية التى يهمها الإبقاء على الوطن العربى منقسما مفتتا مبعثرا.. وهذا صحيح وواقع، غير أن السؤال يبقى ماذا فعلنا نحن لكى نستحق حياة أفضل؟
لا أجد أفضل من كلمات قديمة صاغها العظيم جمال الدين الأفغانى قبل أكثر من مائة عام، وهو يتحسر على حلم وحدة الشرق كله فى إطار فكرة الجامعة الإسلامية التى تضم جميع الجنسيات والأعراق والديانات فى مواجهة الاستعمار حين قال: «حكامنا يساقون مثل الخراف للذبح غير واعين بما ينتظرهم».
وماذا فعلت الشعوب العربية التى من الممكن أن تذهب إلى الاقتتال فيما بينها للفوز فى مباراة لكرة القدم، لكنها تشد اللحاف وتنام ملء جفونها بعد أن تقضى سهرتها فى مشابهة مذابح الصهاينة فى فلسطين.
للأسف، نحن وطن يستحق الذبح بسكين الانفصال!