أفضل طريقة للاحتفال بثورة يناير برأيى، هى أن تعيد القوى السياسية والثورية قراءة المشهد بعد ثلاث سنوات من قيامها، بدرجة أكبر من التجرد والتواضع، وأن تعكف على عملية نقد ذاتى تعترف فيها بأخطائها ــ وأحيانا خطاياها ــ دون أن تتوقف فقط عند زلّات الآخرين، ودون أن ينظر كل فصيل لنفسه باعتباره صاحب الثورة وحامل صكوك غفرانها.
وأظن أننا جميعا مدعوون لإعادة الاعتبار لما اصطلحنا على تسميته بـ«حزب الكنبة»، وهى تسمية قصدت بها الطليعة الثورية، السخرية من ملايين المصريين العاديين، الباحثين عن الاستقرار والأمن، واللاهثين خلف لقمة العيش، فوصفوهم بالسلبية والخنوع، ولم يكن هذا حقيقيا، فقد شاركت هذه الملايين فى ثورة يناير، وحولتها من فعل احتجاجى إلى ثورة شعبية، وهى نفسها التى جاءت بالإخوان ظنا منهم أنهم «ناس بتوع ربنا»، وأنهم قادرون على تحقيق طموحاتهم فى العيش الكريم، فلما انكشف أمرهم، وبدا كذبهم وضلالهم، انفضوا عنهم وثاروا عليهم، ليصححوا مسار ثورتهم بعد عام واحد من حكمهم، وهم أنفسهم الذين نزلوا فى 26 يوليو بالملايين، لتفويض الفريق السيسى لمواجهة إرهاب الإخوان وتابعيهم.
«حزب الكنبة» هو الذى قال «نعم» باكتساح فى الاستفتاء على الدستور، وجعلنا نعرف على وجه اليقين وزن المقاطعين والرافضين وحلفائهم، وهو الذى نزل للاحتفال بثورة يناير فى ميدان التحرير وميادين مصر الأخرى، برغم الإرهاب والتخويف والتفجيرات، تأييدا لخارطة المستقبل، وبحثا عن الاستقرار والأمن ولقمة العيش، وهى مطالب عادلة ومشروعة لا يجوز الاستخفاف بها، كما أنها تقف فى منطقة وسطى بين دعاة الجمود والتكلس من ناحية، وأصحاب نظرية ثورة إلى الأبد من ناحية ثانية.
هذه الملايين من المصريين الذين يصفهم الإخوان ونفر من مدعى الثورية بـ«عبيد البيادة»، هم صنّاع التغيير فى صناديق الاقتراع وفى مواقع العمل والإنتاج، ومن سوء الحظ،أن الإخوان وحدهم من أدرك هذه الحقيقة، بينما أهملها نظام مبارك، وتغافلت عنها القوى السياسية من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار، حتى وإن ادعى بعضها أنه يمثلها ويدافع عن حقوقها.
«حزب الكنبة» هو رئيس جمهورية نفسه، هو مصر الحقيقية التى لاتظهر فى سجالات النخب على الفضائيات ومواقع التواصل الاجتماعى، يدافع عن قناعاته بلاصراخ ولا تهويل، ينزل عند الضرورة ليقول رأيه ثم يعود إلى حال سبيله، يواصل عمله ويؤمّن عيشه وعيشنا، مهما كان صخب الاحتجاجات والاعتصامات، واتهامات التكفير والخيانة والعمالة.
«حزب الكنبة» يحب جيشه ويحرص على مؤسسات دولته، يدرك ما بها من عوار وفساد، ويسعى إلى إصلاحه، لكنه لا يتصور هدمها أو تفكيكها.
يرى «حزب الكنبة» الصورة على وجهها الصحيح، بلا فذلكة ولا ادعاء، يرى الفعل قبل أن ينتقد رد الفعل، رأى إرهاب الجماعة وحلفائها ومؤامراتهم لتفكيك الجيش وهدم الدولة وإحراق الجامعات، فيما لا يرى آخرون سوى أن «قرار اعتبارالإخوان جماعة إرهابية جاء متسرعا»، أو «أن دخول الأمن للجامعة يؤثر على استقلالها»،أو أن «ترشيح السيسى للرئاسة عودة لحكم العسكر».
على القوى السياسية أن تعيد النظر فى موقفها من «حزب الكنبة»، وأن تسعى للتلاقى معه واجتذابه، وأن تخاطبه برؤى وبرامج اقتصادية واجتماعية وسياسية حقيقية، وأن تتوقف عن احتقاره والتعالى عليه، بزعم أنها أكثر إدراكا لمصالحه ومطالبه.
«حزب الكنبة» هو مصر الحقيقية بطموحها وحلمها للمستقبل، إما أن تكسبوه أو تظلوا كما أنتم.. أحزابا على ورق.