هل تحوّل العداء الأوروبى التاريخى لليهود إلى عداء حديث للمسلمين؟ وهل أخذ شعار الإسلام الفاشى مكان شعار اللاسامية؟.
كانت أحزاب اليمين المتطرف فى أوروبا تتماهى مع النازية. وكانت ترفع الشعارات المعادية لليهود. كما كانت تلقى عليهم تبعات المشكلات الاقتصادية والأزمات السياسية، التى تحل بدولهم. الآن انقلبت الصورة رأسا على عقب. فقد أصبحت هذه الأحزاب تتماهى بكراهية الإسلام، وأصبحت ترفع الشعارات المعادية للمسلمين. كما أنها بدأت تلقى عليهم تبعات المشاكل الاجتماعية والاضطرابات الأمنية التى تحل بدولهم.
فالنمسا مثلا، هى أول دولة أوروبية اعترفت بالإسلام دينا رسميا. كان ذلك فى عام 1912 (عندما انضمت البوسنة إلى الامبراطورية النمساوية ــ الهنجارية). إلا أن فى النمسا اليوم حزب يمينى متطرف يتزعمه هانز كريستيان ستراش يرفع فى وجه المسلمين النمساويين، الذين يتحدر معظمهم من أصول تركية، شعار «دم فيينا النقى». ويشير هذا الشعار إلى استعصاء فيينا على الاجتياح التركى ــ العثمانى، ويشير بالتالى إلى أن دم هؤلاء المواطنين المسلمين هو دم غير نقى.. نمساويا، وكان هذا الحزب السياسى منذ نشأته الأولى على يد مؤسسه الراحل جورغ هايدر يتماهى إلى حد التماثل مع النازية، سواء من حيث فلسفة العقيدة ــ المستمرة حتى اليوم ــ أو من حيث التنظيم شبه العسكرى، أما التحول الاساسى الوحيد الذى طرأ عليه فهو انه بدلا من التصويب على يهود النمسا، الذين هجر معظمهم، أصبح الآن يسترضيهم ويتودد إليهم، ويصوب سهام الكراهية إلى صدور المسلمين.
طبعا لا يمثل هذا الحزب لا سياسة الحكومة ولا الرأى العام النمساوى. ولكنه يمثل حفنة من المتطرفين القوميين، الذين يزداد عددهم يوما بعد يوم من خلال انتشار ظاهرة الإسلاموفوبيا.
وما يجرى فى النمسا يجرى على نطاق واسع فى بلجيكا أيضا، حيث يتولى فيليب توينتر رئاسة حزب يمينى من الفلامنج، الذين يشكلون تقريبا نصف السكان. وكان هذا الحزب يجاهر بعدائه لليهود ويتماهى مع النازية، إلا أنه اليوم يجاهر بعدائه للمسلمين ويتودد إلى اليهود من خلال الدفاع عن السياسات الإسرائيلية. فالحزب يعتبر إسرائيل القوة الأساس، التى تقف فى الخط الأمامى فى مواجهة ما يسميه «الإرهاب الإسلامى»، الأمر الذى يستوجب حسب تصريحاته المتكررة وجوب دعمها ومساعدتها.. بل واتخاذها نموذجا ومثالا. أى أنه بدلا من معاقبة اسرائيل على انتهاك حقوق الإنسان الفلسطينى وتدمير البيوت واحتلال الأرض وبناء المستوطنات، فإن الحزب، ومع أحزاب اليمين الأخرى فى أوروبا، يتبنى الدفاع عن هذه السياسة باعتبارها دفاعا عن القلعة الأولى التى تتصدى لما يسميه الإرهاب الإسلامى.
وعندما قام رئيس الحزب اليمينى الهولندى المتطرف وايلدر بزيارة اسرائيل، حرص على زيارة موقعين رمزيين: حائط المبكى، ونصب ضحايا الهولوكوست. علما بأنه كان كغيره من زعماء الأحزاب اليمينية من الذين يتماهون بالنازية ويقلدونها فى كراهية اللاسامية وفى استعداء اليهود. أما الآن فإن العدو الجديد له هو المسلمون فى هولندا وفى أوروبا. فهو يعتبرهم الخطر الجديد الذى حلّ محلّ الشيوعية فى تهديد الأسس الأخلاقية، التى تقوم عليها المجتمعات الأوروبية. وعندما أنتج الفيلم السينمائى التشويهى لسيرة النبى محمد عليه السلام ازدادت شعبيته وانتخب لأول مرة عضوا فى البرلمان الهولندى.
وهناك عدد متنام من الأحزاب والحركات اليمينية المتطرفة الأخرى فى سويسرا وإيطاليا وألمانيا، وكذلك فى الدول الإسكندنافية. أما فى فرنسا فإن الحزب اليمينى ــ الجبهة الوطنية ــ الذى كان يتزعمه المرشح للرئاسة الأولى جان مارى لوبان، فقد تضاعفت شعبيته بعد أن دلت الدراسات الحصائية أن 42 بالمائة من الفرنسيين يعتبرون الإسلام خطرا على الهوية الوطنية الفرنسية (؟). لقد ارتفع عدد المسلمين الفرنسيين إلى 8 بالمائة، أى ما يتراوح بين 5 و7 ملايين مسلم. وهو أكبر تجمع للمسلمين فى أى دولة أوروبية.
كذلك دلت هذه الدراسات على ان ثلثى الفرنسيين (وكذلك ثلثا الألمان) يعتبرون أن محاولة تذويب المسلمين فى المجتمع الفرنسى (أو الألمانى) هى عملية فاشلة، وقد تخلى لوبان عن زعامة الحزب لابنته مارين، التى أعلنت أنها سوف تترشح لرئاسة الجمهورية الفرنسية فى الدورة المقبلة على قاعدة هذه العقيدة.
أما فى بريطانيا، فقد ارتفع عدد المسلمين فيها خلال العقد الماضى من 1.6 مليون فى عام 2001 إلى 2.9 مليون الآن. وهذا يعنى ان المسلمين أصبحوا يشكلون 4.6 بالمائة من مجموع الشعب البريطانى استناذا إلى دراسة أجرتها مؤسسة أمريكية مختصة. ويعكس هذا التحول أن اسم «محمد» أصبح أكثر الأسماء التى تطلق على المواليد الجدد فى بريطانيا، متقدما بذلك على الأسماء البريطانية المتداولة على نطاق واسع مثل جون وأوليفر.
أن تضخم حجم الوجود الإسلامى فى العديد من الدول الأوروبية (الأتراك فى ألمانيا والباكستانيون فى بريطانيا، والمغاربة (المغرب ــ الجوائر ــ تونس) فى فرنسا والبوسنيون فى النمسا وسويسرا إلخ)، والتزام المسلمين بممارسة شعائرهم الدينية خاصة صلاة الجماعة يوم الجمعة وصوم رمضان، والامتناع عن المحرمات مثل المشروبات الروحية والقمار، إلخ.. أن كل ذلك يصورهم وكأنهم مجتمع خاص غير قابل للتذويب فى المجتمع العام. ولدى وقوع أى عمل إرهابى يقوم به مسلم متطرف، أيا كانت الجهة المحرضة، فإن تهمة الإرهاب توجَه إلى كل هذا المجتمع وبالتالى إلى الإسلام. ومن شأن ذلك أن يغذى الأحزاب اليمينية ويمدها بالمادة التى تحتاج اليها لتبرير كراهيتها للإسلام وللمسلمين.
وهكذا فإن استبدال اللاسامية بالإسلاموفوبيا ادى إلى اعتبار إسرائيل النموذج الذى يجب أن تحتذى به هذه الأحزاب اليمينية للتصدى لما تعتبره إرهابا إسلاميا.
والآلية التى تعتمدها إسرائيل مع الفلسطينيين تتوافق مع عقلية هذه الأحزاب المتطرفة من حيث:
ـــــ الاستخدام المفرط للقوة
ـــــ انعاش المشاعر الوطنية ــ المسلحة
ــ التنكيل إلى أقصى حد بالقوى المعادية (الفلسطينيون فى إسرائيل والمسلمون فى أوروبا).
فى الأسبوع الماضى انشغلت الدوائر السياسية الإعلامية فى بريطانيا بشكوى رفعتها أول وزيرة مسلمة فى حكومة بريطانية هى سعيدة دارسى (من أصل باكستانى). وتناولت الشكوى مظاهر التمييز الدينى ضد المسلمين فى بريطانيا. والأساس الذى قامت عليه الشكوى هو الادانة الجماعية للمسلمين بالتطرف والغلو والسلوك السيئ.. أما من يتصرف منهم بعكس ذلك فإنه يعتبر استثناء للقاعدة. ومن خلال النقاش، الذى جرى حول هذه القضية ارتفع صوت حركة يمينية جديدة متطرفة تنفى حتى وجود أى استثناء! وتنعكس هذه المشاعر فى معارضة بناء المساجد خلافا لما كان يجرى فى السابق.
من هنا كان التساؤل: هل تحول العداء لليهود إلى عداء للمسلمين؟