أوباما وأزمة مصطلح «الإسلام الراديكالى» - محمد المنشاوي - بوابة الشروق
الجمعة 13 ديسمبر 2024 10:45 ص القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

أوباما وأزمة مصطلح «الإسلام الراديكالى»

نشر فى : الجمعة 27 فبراير 2015 - 10:00 ص | آخر تحديث : الجمعة 27 فبراير 2015 - 10:00 ص

يرفض الرئيس الأمريكى باراك أوباما وصف «تنظيم الدولة» و«تنظيم القاعدة» بالإسلام، وذلك على العكس مما تذهب إليه معظم الدوائر البحثية والإعلامية الأمريكية. ويرى أوباما أن تصنيف هذه الجماعات ووضعها فى خانة «الإسلام» حتى لو كان «الراديكالى» منه يضفى عليها شرعية دينية لا تستحقها.

ويؤمن الرئيس الأمريكى أن هذه التنظيمات الإرهابية اختطفت الإسلام ولاتعبر عنه، ومن هنا فهو يكرر مقولة «أمريكا ليست فى حرب ضد الإسلام، أمريكا فى حرب ضد تلك التنظيمات التى تستغل وتشوه Pervert الإسلام». يؤمن أوباما كذلك بأن هذه التنظيمات تتطلع وتتمنى أن تصنف كتنظيمات إسلامية تدافع عن الإسلام وأن تظهر وكأن مقاتلوها يجاهدون فى حرب دينية مقدسة، وأنه إذا تم وصفها بالإسلام سيسهل ذلك كثيرا من جهود تجنيد وجذب المزيد من المقاتلين وسيستغل كذلك فى حملات الدعاية التى تقوم بها هذه التنظيمات. من هنا تصمم الإدارة الأمريكية الحالية من جانبها وبشدة الابتعاد عن استخدام مصطلحات على شاكلة «إسلامى» أو «جهادى» أو «دينى» فى وصفها للجماعات الارهابية.

ولايغرد أوباما وحده بقناعاته السابقة، فقد كرر وزير الأمن الداخلى جاى جونسون رؤية رئيسه فى حواراته، وذكر فى لقاء تليفزيونى يوم الأحد الماضى أنه لاينبغى أن نشير إلى الإرهابيين بكونهم مسلمين راديكاليين، وهم أنفسهم يستدرجوننا لأن نصنفهم كإسلاميين، لكننا لن نقوم بذلك. وقال جونسون «إن وصفهم بأنهم أحد أوجه الإسلام يمنحهم احتراما لا يستحقونه».

•••

وخلال الأسبوع الماضى شهدت واشنطن على مدى ثلاثة أيام مؤتمرا نظمه البيت الأبيض كان عنوانه «مكافحة التطرف العنيف Countering Violent Extremism» ولم ينصع البيت الأبيض لضغوط الجمهوريين والقوى اليمينية المطالبة بضرورة الاشارة «للإرهاب الإسلامى» أو «الجهاديين» فى عنوان المؤتمر وفى جلساته وفى الخطاب الرسمى الأمريكى.

لم يترك أعداء أوباما هذه النقطة تمر مرور الكرام، وبالنسبة للجمهوريين، فإن ما قاله باراك أوباما يبين أنه لا يدرك مدى حجم التهديد الذى يمثله «الإسلام الراديكالى». واتهم الجمهوريون أوباما بغض الطرف عن الجرائم التى يقوم بها بعض المسلمين اندفاعا من طريقة إيمانهم بتعاليم دينهم. ويضيفون كذلك أن نظرة إحصائية بسيطة على ما شهده العالم أخيرا يدلل باليقين أن أغلبية الهجمات الإرهابية حول العالم قام بها مسلمون. ويستشهد الجمهوريون كثيرا باستطلاع للرأى أجراه معهد بيو منتصف عام 2013 فى 11 دولة أغلب سكانهم من المسلمين أظهر أن هناك تأييدا تصل نسبته إلى 13% لتنظيم القاعدة، و26% لحزب الله، وترتفع النسبة لتصل إلى 32% لجماعة حماس. ويستغل هذا الاستطلاع فى التأكيد على وجود بيئة اجتماعية وثقافية حاضنة لهذه الأفكار المتطرفة فى دول إسلامية عدة (يصنف القانون الأمريكى تنظيم حماس وحزب الله منظمات إرهابية).

ثم نال مقال نشرته مجلة أتلانتيك الشهرية بعنوان «ماذا تريد داعش» what Isis really wants فى عددها الأخير اهتماما كبيرا، وذكر كاتبه جرام وود أن تنظيم الدولة «يضم الكثيرين من المضطربين نفسيا، إلا أنه أيضا يضم الكثيرين من الملتزمين دينيا وإسلاميا»، وأن «الدولة الاسلامية (فى العراق وسوريا) فى النهاية هى إسلامية، وأن كل ما تنادى به وينادى به شيوخها يعبر عن أحد مدارس تفسير تعاليم الإسلام».

يرى أوباما أنه من الأفضل أن يواجه المسلمون مشكلاتهم بأنفسهم، لذا يتحدث كثيرا ويذكر ضحايا الإرهاب من المسلمين. ويمس هذا الأسلوب وترا حساسا لدى أغلبية المسلمين ممن يزعجهم وقوع ضحايا أبرياء على يد هؤلاء المتطرفين. كما لم ينس أوباما أن يمتدح المسلمين ممن ضحوا بحياتهم أو خاطروا بها من أجل حماية كنائس مسيحية أو معابد يهودية، ووقفوا فى وجه المتطرفين وإن كانوا مسلمين. فى كلمته أمام قمة مكافحة التطرف، شكر أوباما الشاب المالى المسلم، لاسانا باتيلى، الذى ساعد اليهود فى الاختباء خلال حادثة احتجاز الرهائن فى سوبر ماركت فى باريس الشهر الماضى، وشكر كذلك الشرطى المسلم أحمد المرابط الذى فقد حياته فى حادث شارلى إبدو، قائلا «لقد سمع العالم الكثير عن الهجمات الإرهابية ضد تشارلى إبدو فى باريس، ولكن يجب على العالم أيضا أن يتذكر الشرطى الباريسى، أحمد مرابط، المسلم الذى لقى حتفه بسبب محاولته التصدى للإرهابيين».

•••

ورغم الموقف الإيجابى الذى تبناه الرئيس الأمريكى، إلا أن أوباما ومنتقديه ينشغلون بقضية تلهينا إلى حد كبير عن طرح أسئلة جوهرية مهمة. هم يتجاهلون النظر لتزايد العنف والراديكالية كأحد مظاهر فشل نموذج الدول القومية فى استيعاب تطورات المجتمعات المختلفة عن النموذج الغربى فى زمن طغت فيه مظاهر عولمة وتواصل معلوماتى غير مسبوق. هم يتجاهلون عامل الاستبداد ودوره الرئيسى فى تهيئة بيئة يترعرع فيها التطرف ويخلق بيئة خصبة لتجنيد مقاتلين لا يعرفون من الدين ولاحتى أبجدياته. هم يتجاهلون لماذا لم يخرج تنظيم الدولة إلا من رحم النظامين العراقى والسورى اللذين عرف عنهما خلال العقود الأخيرة أنهما أشد النظم استبدادا. هم يتجاهلون لماذا ينضم مئات وربما آلاف لتنظيم الدولة من الأوربيين والأمريكيين وغيرهم ممن ليس لهم أى علاقة من قريب أو بعيد بأى عقائد سماوية أو روابط شرق أوسطية. يتجاهلون ذكر مسئولية الاحتلال الأمريكى للعراق فيما آلت إليه خريطة الشرق الأوسط من تدهور وفوضى، ويتجاهلون استمرار الاحتلال الإسرائيلى للأراضى الفلسطينية فى عرض صورة مستمرة من الظلم والإهانة والقتل لشعب لايريد إلا حريته. يتجاهلون انتقاد ظلم القانون والنظام الدوليين اللذين لا يعطيان للقوى على حساب أصحاب الحقوق والمظلومين حول العالم. يتجاهلون ذكر أن استمرار العلاقات الوثيقة بين واشنطن ونظم استبدادية أخرى فى المنطقة لن يساعد إلا على انتاج أجيال جديدة من المتطرفين الشباب ممن ينغلق أمامهم الآن فضاءات الحرية والأحلام والحق فى التغيير.

محمد المنشاوي كاتب صحفي متخصص في الشئون الأمريكية، يكتب من واشنطن - للتواصل مع الكاتب: mensh70@gmail.com
التعليقات