بعض الخبراء والمتابعين انتقد كثرة عدد المشاركين والمتحدثين فى جلسات الحوار الوطنى التى بدأت فعليا فى الرابع عشر من شهر مايو الحالى وتتواصل بمعدل ٦ جلسات أسبوعية فى المحاور الثلاثة السياسية والاقتصادية والاجتماعية.
الذين يتبنون وجهة النظر هذه يرون أن عدد المتحاورين كثير جدا ويزيد أحيانا عن الخمسين شخصا وأن معظمهم يعيد تكرار كلمات البعض الآخر، وأنهم يكررون التعبير عن مواقعهم السياسية المعروفة سلفا، من دون محاولة النقاش الموضوعى الذى يقود إلى حلول توافقية.
يضيف هؤلاء أن هذه الطريقة لن تؤدى إلى أى شىء ذى معنى ومغزى، وبالتالى سوف تتحقق مخاوف البعض ويتحول الحوار الوطنى إلى مكلمة بلا فائدة. وهم يقترحون أن يكون عدد المتحدثين قليلا جدا بحيث يعبر شخص واحد عن كل موقف، وأن يدخل أصحاب الشأن فى نقاش مختلف أقرب إلى الورشة أو العصف الذهنى حتى يتوصلوا إلى المخرجات النهائية التى سيتم رفعها إلى رئيس الجمهورية لاتخاذ ما يلزم بشأنها سواء فى إصدارها فى صورة قرارات تنفيذية أو إحالتها إلى البرلمان لإصدارها فى صورة تشريعات أو تبنيها كرؤى وتوجهات للدولة فى المرحلة المقبلة.
وبالمناسبة تقديرى وأرجو أن أكون مخطئا أن بعض المتحدثين لا يصلح لممارسة العمل السياسى ولا يجيد الحديث، لكن ما العمل طالما كانت تلك هى القماشة الموجودة لدينا، هل نستورد كوادر سياسية من الخارج، أم نحاول أن نحسن المناخ العام وأن نحض الأحزاب على معالجة أمورها وإعادة تدريب وتأهيل وتثقيف كوادرها؟!
وشخصيا أحترم وجهة النظر هذه، وكنت مستعدا لتبنيها لو أنها خاصة بمناقشة قضية عابرة ومحددة وسريعة ولا تهم إلا مجموعة أو فئة صغيرة من المجتمع. لكن حينما يتعلق الأمر بالحوار الوطنى، فهو مختلف تماما وينبغى أن نفهم الخلفية والسياق العام والأهم الأهداف المرجوة من الحوار بصفة عامة.
أولا: حينما دعا الرئيس عبدالفتاح السيسى للحوار فى ٢٦ أبريل ٢٠٢٢ فإن أحد الأهداف من الحوار قوله «عشان نسمع بعض» إضافة للهدف الأساسى وهو تحديد أولويات القضايا الوطنية فى المرحلة المقبلة.
وبالتالى فإن سماع بعضنا البعض أمر مهم للغاية، حتى لو كان البعض يراه مملا ومكررا. بل ومكلمة.
ثانيا: السياسة والعمل السياسى كان شبه مجمد منذ عام ٢٠١٤ تقريبا لأسباب كثيرة منها تحدى الإرهاب، وبالتالى فإن غالبية القوى السياسية وكوادرها سواء كانوا فى أحزاب حقيقية أو كرتونية لم يتكلموا إلا ما ندر ومن هنا فهم يريدون أن يعبروا ويتحدثوا ويفضفضوا، فى محافل عامة ويا حبذا لو تحدثوا لوسائل الإعلام وسمعهم عامة الناس، وبالتالى حتى لو كرر هؤلاء الكلمات والمعانى وقالوا «ريان يا فجل»، فهذا لن يضر البلد فى شىء، لكنه سيكون مفيدا طالما أنه سيحل مشكلة الإحساس بالكبت.
فما بالكم حينما يتاح للجميع حق الكلام والتعبير كما يشاء وأن يذاع كل ذلك على الهواء مباشرة عبر فضائية مخصصة بالكامل للحوار الوطنى إضافة إلى اهتمام كل وسائل الإعلام بهذا الحدث.
ثالثا: لو اجتمع ممثلو الأحزاب والخبراء فقط وناقشوا القضايا فلن يشعر بهم أحد ولن يتحقق جانب مهم من أهداف الحوار.
رابعا: بعد أن تنتهى الجلسات الأولية ويتحدث كل ممثلى الأحزاب والقوى السياسية، فسوف يجتمع الخبراء كل فى مجاله للبحث فى صياغة التوصيات والمخرجات، وفى هذه الحالة سوف تنتهى المكلمة ــ إن وجدت ــ ويكون الأمر برمته فى يد الخبراء ليصلوا إلى الحلول والتوصيات التوافقية التى سيتم رفعها للرئيس فى نهاية المطاف.
خلاصة القول أن الحالة العامة تحتاج منا أن نستمع إلى الجميع حتى لو قالوا كلاما لا يعجب الكثير منا.
مرة أخرى لا عيب إطلاقا أن نسمع بعضنا البعض طالما أن ذلك سيحل الكثير من المشكلات ويجعل الناس تتفاعل وتشارك وتشعر أن هناك تغييرا وإذا كنا قد صبرنا سنوات طويلة حتى بدأ الحوار السياسى بين الجميع، أفلا يمكن أن نصبر لأسبوعين أو ثلاثة لكى نسمع قادة وأعضاء الأحزاب ليعبروا عما بداخلهم ويشعروا أن كلامهم له قيمة؟!
كل التمنيات بالتوفيق للجميع حتى يتحقق الهدف.