حققت الثورة المصرية إنجازا كبيرا بانتخاب الدكتور محمد مرسى كأول رئيس مدنى منتخب بإرادة شعبية حقيقية، برغم ما شاب مسار الانتقال الديمقراطى من ثغرات وانتكاسات، فتحت أى ظروف يمكن أن ينجح الرئيس ويضع أسس الجمهورية الجديدة؟
بالطبع ليس مجرد انتخاب رئيس جديد بإرادة شعبية، أو وجود برنامج سياسى به الكثير من الآمال، سيضمن نجاح الرئيس ومعالجة مشكلاتنا المتراكمة. فى اعتقادى هناك ثلاثة متطلبات لنجاح الرئيس فى ظل ظروف مصر الحالية بعد إرادة الله.
●●●
المتطلب الأول يتصل بموقف المجلس العسكرى، فالمؤسسة العسكرية هى التى أنشأت النظام الجمهورى وضمنت بقاءه منذ 1952 وحتى ثورة يناير، وهى التى أمدت الدولة بالرؤساء السابقين وأرسلت الكثير من العسكريين للمناصب العليا، بجانب أن للمؤسسة مصالح اقتصادية كبرى. فى مثل هذه الظروف هناك عاملان أساسيان لنجاح الرئيس ونجاح التحول الديمقراطى، الأول موقف المؤسسة العسكرية والأجهزة الأمنية والمخابراتية التابعة لها من الديمقراطية ذاتها، والثانى طريقة تعامل المؤسسات المنتخبة والنخب السياسية مع المؤسسة العسكرية.
لا يرتبط العامل الأول بمجرد تعبير المجلس العسكرى عن انحيازه للثورة والديمقراطية، وإنما يتطلب الأمر تقديم المجلس العسكرى الدعم الكامل والمباشر والصريح للرئيس، وتسليمه جميع صلاحياته التى قيدها الإعلان المكمل، وقناعة أعضائه بضرورة معالجة العلاقات المدنية ــ العسكرية وإخراج الجيش تدريجيا من السياسة وتحويله لمؤسسة محترفة تقوم بدورها الحقيقى فقط. حدث هذا الأمر بالدول التى شهدت تحولا ديمقراطيا ناجحا كإسبانيا والكثير من دول أمريكا اللاتينية، ولو حدث فى مصر فسيضمن نجاح التحول الديمقراطى، وسيضمن إنقاذ الجيش ذاته من الزج به فى صراعات سياسية، وحفظه كمؤسسة وطنية قوية من حيث التدريب والتسليح والاستعداد.
أما العامل الثانى فيرتبط بقناعة الرئيس والمؤسسات المنتخبة والنخب السياسية بخطورة تسييس الجيش واللجوء إليه لحسم خلافات القوى السياسية، أو عقد الصفقات معه. هذه خطوط حمراء وفشل النخب فى تجنبها كان عاملا أساسيا لفشل الديمقراطية فى باكستان والجزائر ونيجيريا وغيرها. إن الحفاظ على وضع الجيش بالدستور الجديد كما كان بدستور 1971 هو الخطوة الأولى، أما بقية المسائل فيجب أن تحل تدريجيا وبإرادة الطرفين وبوجود خبراء حقيقيين من الطرفين. وارتكاب الأخطاء هنا قد ينتج عنه مخاطر كثيرة على التحول الديمقراطى وعلى وحدة وجاهزية الجيش فى منطقة مليئة بالصراعات أصلا.
●●●
المتطلب الثانى يتعلق بأولويات أجندة الرئيس والحكومة والتى ستحدد هى الأخرى مدى نجاح الرئيس، فهل من أولويات المرحلة وضع قضايا الهوية والشريعة على رأس هذه الأجندة أم هناك مسائل سياسية واقتصادية واجتماعية ينبغى أن يكون لها الأولوية؟ أعتقد أنه يجب تجنب القضايا المتصلة بالهوية والشريعة، التى لن يكون لها أى أثر بالمجتمع إلا المزيد من الانقسام، وهى ليست من أولويات المجتمع الآن الذى يعيش نصف سكانه تحت خط الفقر ويعيش ملايين من سكانه بالقبور والعشوائيات. كما يجب إدراك أن حسم هذه القضايا يحتاج إلى أطر دستورية وقانونية ومؤسساتية وإلى مجال سياسى أكثر صحية.
ولهذا هناك أربع قضايا أعتقد أنها يجب أن تكون على رأس أجندة الرئيس والحكومة لتحقيق أهداف الثورة وخصوصا الحفاظ على هوية المجتمع وكرامة أبنائه، وتحقيق العدالة الاجتماعية، والشفافية فى إدارة المال العام، والمساواة أمام القانون وإلغاء جميع أشكال التمييز، وتفعيل الحياة السياسية والحزبية. القضية الأولى هى الدستور الذى يجب أن يتضمن المبادئ الديمقراطية والأطر الدستورية والترتيبات المؤسسية التى تضمن وجود حكومة ومؤسسة رئاسة مقيدة بالدستور والقانون، وتحقق المصلحة العامة وليس مصالح فصيل محدد، ويمكن مراقبتهما ومحاسبتهما. بجانب وجود آليات لاستقلال القضاء وتفعيل أجهزة الرقابة السياسية والقضائية والمالية والإدارية، وضمانات للمواطنة ولتداول السلطة ولجميع الحريات الكفيلة بإيجاد رأى عام مستنير، وتمكين المواطنين من المشاركة الفعالة فى اختيار الحكام وفى التأثير على السياسات، والتأكيد على عنصر المسئولية فى ممارسة الديمقراطية والتمتع بالحرية.
والأولوية الثانية هى القضايا الاجتماعية والاقتصادية والتى تتطلب وضع سياسات فعالة لتخفيف العبء عن المواطنين، مع وجود خطاب إعلامى فعال للرئيس وللحكومة ينقل للناس هذه السياسات وآليات تنفيذها بلغة مباشرة وسهلة، ويخاطب المواطنين ويوضح لهم ما يمكن إنجازه من مطالب، وما يجب إنجازه على مراحل، وما لا يمكن إنجازه. ويجب هنا الاهتمام تحديدا بوضع الآليات الكفيلة بوقف عبث بعض الإعلاميين والصحفيين بعقول الناس عبر الفضائيات، وبعدم تحول الإعلام إلى بوق للسلطة من جديد.
ويرتبط بهذا أولوية ثالثة هى بناء الإنسان المصرى الجديد ورفع وعيه من خلال برامج تعليم مدنى وتربية سياسية ومن خلال إصلاح التعليم والجامعات.
والأولوية الرابعة هى إصلاح وإعادة هيكلة الأجهزة الرئيسية للدولة، وقد وعد الرئيس فى حملته الانتخابية بأنه سيترك للمنتمين لكل قطاع إصلاح مؤسساتهم، وهذا أمر طيب ولابد أن يتم، وأعتقد أن الأجندة لابد أن تبدأ بإصلاح خمس مؤسسات، هى الأمن والإعلام والقضاء والجهاز الإدارى والجامعات.
●●●
والمتطلب الثالث والأخير يرتبط بالفريق الرئاسى والحكومة الإئتلافية (وجميع المناصب العليا). مبادئ الديمقراطية ومتطلبات المرحلة وتعهدات الرئيس الانتخابية تحتم عليه اعتماد المعايير الخمسة التالية فى تكوين مؤسسة الرئاسة والحكومة وجهاز الإدارة: وجود رؤية محددة لمواجهة جميع التحديات التى تواجهها البلاد، الاعتماد على الكفاءة فى الاختيار، تمثيل جميع التيارات السياسية الرئيسية، انسجام أعضاء فريق الرئاسة والحكومة، وتوفر المهارات الإدارية والاتصالية لدى المسئولين.
●●●
أعان الله الرئيس المنتخب وفريقه، فهم على موعد لتحمل أكبر مسئولية فى التاريخ المصرى الحديث، ويقينى بالله أنه، عز وجل، ناصرهم لسببين على الأقل: فالرئيس وجميع أعضاء الفريق المختار سيأتون من قطاعات وتيارات وطنية ناضلت لعقود لأجل حرية مصر ونهضتها، وهناك حالة ثورية ورقابة شعبية لن تقبل أبدا إساءة التقدير أو تقصير أى مسئول.