سرقة مياه العرب - محمد عبدالمنعم الشاذلي - بوابة الشروق
الأحد 15 ديسمبر 2024 7:38 ص القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

سرقة مياه العرب

نشر فى : الأحد 27 يونيو 2021 - 8:05 م | آخر تحديث : الأحد 27 يونيو 2021 - 8:05 م
اجتمع وزراء الخارجية العرب يوم 15 يونيو الماضى فى العاصمة القطرية الدوحة بناء على طلب من مصر والسودان. وصدر عشية الاجتماع بيان مصرى سودانى مشترك جاء فيه أن البلدين اتفقا على تنسيق الجهود لدفع إثيوبيا على التفاوض بجدية على اتفاق بشأن ملء وتشغيل السد.
صدر عن الاجتماع بيان يؤكد أن الأمن المائى لمصر والسودان هو جزء لا يتجزأ من الأمن القومى العربى مع مطالبة إثيوبيا بالامتناع عن اتخاذ أى إجراءات أحادية تضر بمصر والسودان.
ودعا البيان مجلس الأمن لتحمل مسئولياته من خلال عقد جلسة عاجلة للتشاور حول هذا الموضوع واتخاذ الإجراءات اللازمة لإطلاق عملية تفاوضية فعالة.
•••
استقبلت الجماهير العربية، وبشكل خاص فى مصر، بيان وزراء الخارجية العرب بنفس الروح التى للأسف سادت لديهم عن مصداقية وفاعلية الجامعة، وأنها صارت غير قادرة على الحسم، وأن دورها بات قاصرا على الشجب وإدانة دون قدرة على الحسم أو الردع، وإن اجتماعات العرب باتت إجراء تجميليا لسد خانة شكلية، وأنه لا توجد رؤية عربية أو جبهة عربية موحدة، وأن سد النهضة الذى اجتمع الوزراء العرب لمواجهة خطورته ساهمت رءوس أموال عربية فى تمويل بنائه، وتساهم الاستثمارات العربية فى انعاش اقتصاد إثيوبيا، وأن بلادا عربية عرضت وساطتها لحلحلة الأزمة بشكل يجعلها محايدة فى الأزمة لا داعمة للموقف المصرى السودانى، وحتى السودان المتضررة مع مصر من السد وقفت مع إثيوبيا فترة حكم البشير ولم يترك وزير ريِّها الحالى ياسر عباس وقتا لمداد بيان وزراء الخارجية ليجف قبل أن يعلن فى مؤتمر صحفى عقده فى الخرطوم عن استعداد السودان للتوصل إلى اتفاق مرحلى مع إثيوبيا بشرط استمرار التفاوض.
من المفارقات أن العرب وأغلبهم من المسلمين يقرأون فى القرآن قوله تعالى «وجعلنا من الماء كل شيء حي» مما يجعل للماء قدسية قبل القيمة الخاصة، وأن بلادهم تعد فى أكثر المناطق فقرا فى الماء. ويرتبط الماء ارتباطا وثيقا بالغذاء ومن ثم كانت المنطقة العربية من أكثر مناطق العالم استيرادا للغذاء. وتستورد أكثر من 75% من غذائها، وتبلغ قيمة وارداتها من القمح فقط 10 مليارات دولار سنويا. ولا تخفى الولايات المتحدة أنها استخدمت القمح كورقة ضغط على مصر فى فترة جمال عبدالناصر، كما تعرضت العراق لواحدة من أكثر الاتفاقات المهينة وهى اتفاقية النفط مقابل الغذاء؛ والتى سمحت من خلالها الولايات المتحدة للعراق بيع بعض نفطها تحت رقابة صارمة لمشترين مختارين ليستطيع العراق، وهو الدولة التى لديها أراض لو تلقت الرعاية اللازمة لأطعمت الشعب العراقى والشعوب المجاورة. ولعله قد آن الأوان لنطرح سؤالا مشروعا: هل هى محض مصادفة أن تكون أكثر الدول العربية المتعرضة للقلاقل وعدم الاستقرار هى الدول التى تمتلك مصادر ثرية للمياه والتى يمكنها أن تكون منتجة للغذاء الوفير؟ السودان والعراق وسوريا واليمن السعيد، الذى كنا نتغنى بخصوبته، وحتى الصومال التى نسينا أنها دولة عربية وكانت ثرية بقطعانها وثرواتها الحيوانية.
•••
كان اجتماع وزراء الخارجية العرب فى الدوحة وكأنه عودة بالزمن حوالى 60 سنة إلى عام 1964 عندما دعت مصر إلى قمة عربية فى القاهرة لمواجهة التهديد الإسرائيلى لنهر الأردن، بعد أن وقف رئيس أركان الجيش الإسرائيلى يقول فى صلف أن إسرائيل ستحول مجرى النهر سواء وافق العرب أو رفضوا. أدرك جمال عبدالناصر وقتها أن الصلف الإسرائيلى سببه إدراكها ضعف الجبهة العربية بسبب الخلافات المصرية السودانية وحرب اليمن والخلاف مع الأردن ومع تونس بورقيبه، ولابد من رأب الصدع العربى وتكوين جبهة قوية موحدة قادرة على مواجهة التحدى. وانعقد مؤتمر وزراء الخارجية العرب تحت ظروف مشابهة: تهديد لمورد مياه أكبر كثيرا من نهر الأردن فى وقت انقسم العرب فى خلافات واقتتال فى لبنان وسوريا والعراق واليمن وليبيا والصومال ولم تعد هناك جبهة عربية لها مصداقيتها.
حققت قمة 64 نجاحات مؤقتة لم يقدر للعرب البناء عليها منها تشكيل منظمة التحرير الفلسطينية وإنشاء قيادة عربية مشتركة برئاسة الفريق على على عامر.
ومن الأمور المأساوية أن العرب لم يعدوا أنفسهم لمواجهة طمع جيرانهم فى مياههم رغم أنهم أعلنوا منذ البداية عن أطماعهم ولم يخفوها، فبعد صدور وعد بلفور عام 1917 الذى زكى الأطماع الصهيونية فى فلسطين أرسل حاييم وايزمان رئيس المنظمة الصهيونية العالمية رسالة إلى رئيس وزراء بريطانيا فى 29 ديسمبر 1919 يطلب فيها ضم وادى الليطانى وجبل الشيخ، وهى المناطق الغنية بمصادر المياه، إلى فلسطين. ولحقت الدوائر الصهيونية بعد 22 سنة على هذه الرسالة برسالة ثانية أرسلها بن جوريون سنة 1941 إلى وزارة الخارجية البريطانية يطلب فيها ضم وادى الليطانى وجبل الشيخ إلى حدود فلسطين. ولا يسعنا بعد مرور الزمن إلا أن نتساءل بأى حق يطالب أعضاء فى المنظمة الصهيونية العالمية تعديل حدود البلاد العربية من قبل قيام دولة إسرائيل!
إلا أن إسرائيل لم تكتف بالالتماسات والرسائل لكنها عمدت إلى تغيير الأمر الواقع عمليا فأقامت محطات ضخ لسحب مياه نهرى الليطانى وحاصبانى التى تصب فى نهر الأردن افتئاتا على الحق العربى، وعندما أبدى العرب اعتراضا قال رئيس الأركان الإسرائيلى إن بلده سينفذ مشروعه بالقوة. ومن المفارقات أن الولايات المتحدة وقفت ساكنة إزاء الانتهاكات الإسرائيلية رغم تعارضها مع مشروع جونستون نسبة إلى السفير جوزيف جونستون الذى كلفه الرئيس ايزنهاور فى عام 1953 بدراسة توزيع المياه فى المنطقة لتكفى التنمية لصالح اللاجئات واللاجئين الفلسطينيين. واستكملت إسرائيل مخططاتها المائية بالقوة باحتلال مرتفعات الجولان عام 1967 وسيطرتها على بحيرة طبرية واستمرت إسرائيل فى عملياتها ضد لبنان مثل عملية الليطانى عام 1978 ثم اجتياحها لبنان بالكامل وسيطرتها على بيروت عام 1982 واحتلالها جنوب لبنان لفترة طويلة نفذت فيها عمليات هندسية لخدمة أطماعها المائية وبشكل أكبر حققت عمليا إرهاب لبنان عن اتخاذ أى إجراء يعوق أطماع إسرائيل فى المياه. ولم تكن مياه لبنان وسوريا والأردن وحدها مطمعا للجيران، فقد استغلت تركيا العداوة الشديدة بين النظامين فى سوريا والعراق لسرقة مياه نهر الفرات ومن المفارقات أن النظامين ينتميان لحزب البعث وشعاره أمة عربية واحدة ذات رسالة خالدة. فأنشأت تركيا سد اليسو يكون خلفه بحيرة مساحتها 300 كم مربع وتخزن 44 مليار متر مكعب من المياه وهى ماضية فى تنفيذ مشروع Great Anatolia Project GAP الذى يشمل إقامة 22 سدا أكبرها سد أتاتورك الذى يعد رابع أكبر سد فى العالم الذى يخزن 70 مليار متر مكعب من الماء وبذلك تكون تركيا قد سيطرت على 90% من مياه الفرات.
ولا يمكن أن نطوى هذه الصفحة دون أن نذكر مشروع قناة جونجولى الذى كان سيوفر 9 مليارات متر مكعب من المياه لمصر والسودان وهاجمته قوات الحركة الشعبية لجنوب السودان عام 1984 أثناء الحرب الأهلية فى السودان ودمرت معداته وأرهبت العاملين فيه.
•••
كان نهب المياه العربية يتم فى البلاد المنقسمة على نفسها وعلى غيرها مثل سوريا والعراق ولبنان، والآن تجرأت إثيوبيا على عمود الخيمة مصر القوية الموحدة، فهل يهرع العرب لصد الأذى عنها تطبيقا لما جاء فى بيان وزراء الخارجية العرب بأن الأمن المائى لمصر والسودان جزء من الأمن القومى أم يظل هذا حبرا على ورق؟!
منذ أكثر من ستين عاما غنى عبدالحليم حافظ «الحكاية مش حكاية السد» الحكاية أصبحت حكاية السدود التى تحجز عنا المياه مصدر الحياة وتهدد وجودنا ونحن مشغولون بالخلافات فيما بيننا فضعفت الجبهة وضعفت الهيبة وطمع فينا الطامعون.
محمد عبدالمنعم الشاذلي عضو المجمع العلمي المصري
التعليقات