أما تحالف الدول العربية المعتدلة فتمكن فى العام الأول من اجتياز مرحلة ترامب الرئاسية إلى مرحلة بايدن بهدوء نسبى نظرا إلى الأزمة غير المسبوقة التى أنتجتها أزمة الانتخابات وانتقال السلطة بين الإدارتين، وعلى الرغم من استمرار انقسام واشنطن بين المعسكرين داخليا، وانعكاس هذه التحديات خارجيا، عبر رفع الحوثيين عن لائحة الارهاب، والعودة إلى محادثات الملف النووى مع إيران، والانسحاب من أفغانستان ــ فإن دبلوماسية التحالف نجحت فى إعادة موقعها، وعدم الارتكازعلى انتقاد الجمهوريين لاستمالة الديمقراطيين، أو العكس، ولكن عبر الاستمرار بالأجندة العربية الاستراتيجية دون لف ودوران، والتكتل القوى حول هذه الأجندة، وعدم التأثر بالانقسام الداخلى الأمريكى، وبقاء أبواب التعاون مفتوحة مع «الدولة الأمريكية» بكاملها، بسلطتها التنفيذية والتشريعية، وبحزبيها، والسلطات المعنية بملفات دول التحالف، والتواصل مع الكونجرس بحزبيه.
استمرت العلاقات بين حكومات التحالف وواشنطن مستقرة حتى حرب أوكرانيا، ومن بعدها توجهت إدارة بايدن إلى «قمة جدة» وقدمت باقة من المساعدات الاستراتيجية الثنائية وعززت العلاقات مع الكتلة المعتدلة وكأن الوضع الداخلى فى أمريكا لا انقسام فيه، ولا تأثير له فى السياسة تجاه المنطقة، مما أثبت أن دبلوماسية الخط المستقيم لمؤسسات التحالف نجحت باجتياز تحدى الانقسام الداخلى فى أمريكا مما سمح بعودة العلاقات الطبيعية هذا العام.
إلا أن الانقسامات باتت تتعمق فى السياسات الأمريكية، لا سيما منذ «تفتيش منزل ترامب فى فلوريدا». وأصبح الصراع القانونى مفتوحا، فترامب أصبح الرجل القوى فى الحزب الجمهورى دون منازع ومرشحوه يحصدون المقاعد بأعلى النسب. أى إنه إذا انقلب الميزان فى الكونجرس، فسيتحول الرئيس السابق بين ليلة وضحاها إلى «القائد الأعلى» للأكثرية الجديدة، أى إلى ند الرئيس بايدن من نهاية يناير 2023، مما سيضع العالم الخارجى أمام حال جديدة تفرض على الحلفاء أن يتعاملوا مع قوتين فى واشنطن وليس قوة واحدة. إذا فالمرحلة الأدق فى الانقسام الحالى هى بين الآن ونهاية العام. وهنا يُطرح السؤال عند عرب الاعتدال، ما العمل؟
ليس هناك أمام عرب التحالف إلا الاستمرار بالدبلوماسية الحكيمة التى لا تتدخل بالشئون الداخلية الأمريكية وتتعامل وفق المبادئ الثابتة والمستقرة، أى: 1ــ أزدياد الترابط العربى ورسم سياسة استراتيجية واحدة والاستمرار فيها والتكلم بلسان واحد مع الإدارة الامريكية والغربية على العموم. 2ــ التركيز مع واشنطن على الملفات الخارجية والإقليمية، بعكس إيران التى تتدخل عبر شبكاتها فى السياسات الأمريكية. 3ــ التقدم بحزم باتجاه الملفات الكبرى فى المنطقة، كإيران، واليمن، والعراق، وسوريا، ولبنان، ومعاهدة أبراهام وعرض الحلول والمبادرات .4ــ الاستمرار بالتواصل مع القوى الفاعلة دوليا شرقا وغربا وشمالا وجنوبا.5ــ تعزيز الدفاع المشترك للتحالف، وتقوية الأطر المناسبة لمواجهة صواريخ إيران وميليشياتها.