الكلمات التالية هى مجرد انطباعات أولية غير نهائية فى انتظار رؤية النتائج السياسية الفعلية لاتفاق وقف إطلاق النار بين إسرائيل وحزب الله اللبنانى الذى تم الإعلان عنه مساء أمس الأول الثلاثاء ودخل حيز التنفيذ فجر أمس.
أكتب هذه الكلمات بعد الاستماع إلى كلمة رئيس الوزراء الإسرائيلى بنيامين نتنياهو وكلمة الرئيس الأمريكى جو بايدن، ولم أسمع حتى الآن رأى حزب الله، وهل هناك بنود سرية، أو مذكرات ضمانات أمريكية تم تقديمها لإسرائيل أم لا.
وإلى أن تتضح كل التفاصيل فالسطور التالية مجرد ملاحظات سريعة على وقف إطلاق النار وكذلك على كلمة نتنياهو.
أولا: التفسير الأساسى لموافقة إسرائيل على وقف إطلاق النار أنها فشلت فى احتلال أى أرض لبنانية، هى دخلت العديد من القرى الحدودية ثم أجبرت على الانسحاب بفعل المقاومة البطولية من اللبنانيين. الإسرائيليون بارعون فى الدعاية، كانوا يدخلون قرية لدقائق ويرفعون علمهم، ثم ينسحبون، ويبثون المشاهد فى الإعلام على أساس أنهم لا يزالون هناك.
الإسرائيليون تكبدوا خسائر ضخمة معظمها لم يتم الإعلان عنها.
إسرائيل لم تحتل شريطا حدوديا ولم تقم منطقة عازلة حتى الليطانى كما فعلت فى غزة ورفح، ولم تنزع سلاح حزب الله.
ومن الواضح أن الجيش الإسرائيلى وأفراده أصابهم الوهن والتعب والإرهاق من طول فترة القتال.
ثانيا: هل معنى ذلك أن حزب الله انتصر؟.
لم أقل ذلك إطلاقا والإجابة هى لا. حزب الله تعرض لضربة مؤلمة جدا وغير مسبوقة، وعدد كبير من قادته وكوادره تم اغيتالهم، وعلى رأسهم الأمين العام حسن نصر الله.
ثم إن معظم قرى الجنوب تدمرت وكذلك الضاحية الجنوبية فى بيروت مقر الحزب وحاضنته، وهناك نحو ١٫٣ مليون نازح يمثلون عبئا رهيبا على المجتمع والاقتصاد اللبنانى.
ولكى تعود الأمور إلى ما قبل 7 أكتوبر 2023، فإن لبنان يحتاج إلى مليارات الدولارات، هى غير متوافرة، ولم يعلن أى طرف أو دولة أو منظمة الاستعداد لدفعها.
ثالثا: ورغم ما سبق فهناك معادلة فى الصراع بين الحزب وإسرائيل تقول «حينما تنشب الحرب وتنتهى بلا انكسار لحزب الله فذلك يعنى هزيمة إسرائيل. السؤال: هل نحن بصدد هذه الصيغة أم أن الأمور تغيرت؟.
رابعا: نعلم أن حلم نتنياهو وغالبية قادة إسرائيل هو القضاء على البرنامج النووى الإيرانى، وقد سمعنا وشاهدنا نتنياهو فى كلمته يزعم أن الاتفاق سيجعل إسرائيل تركز على الملف الإيرانى، ومنعها من امتلاك السلاح النووى، بل إن بايدن قال ذلك صراحة فى كلمته. والسؤال المهم هل ستدعم أمريكا أى هجوم إسرائيلى على المنشآت النووية الإيرانية قبل دخول ترامب البيت الأبيض أم لا؟.
خامسا: إذا هاجمت إسرائيل إيران فهل سيقف حزب الله متفرجًا ولا يسند الدولة الراعية كما فعل مع المقاومة الفلسطينية فى غزة؟!
سادسا: من النقاط المهمة فى كلمة نتنياهو إقراره بأن إسرائيل تعانى من نقص فى الأسلحة والذخيرة، وهو ما يشير إلى مجموعة من الأمور المهمة أولها أن إسرائيل ليست كيانًا كلى القدرة، وأنه غير مكتفٍ ذاتيا من الأسلحة والذخائر، ومن المتحمل أن تكون إدارة بايدن أوقفت سرا توريد بعض أنواع الأسلحة لإسرائيل، مما جعلها توافق مضطرة على الاتفاق الذى رفضته طوال الأسابيع الماضية.
سابعا: يدَّعى نتنياهو أن الاتفاق يعزل حركة حماس فى قطاع غزة. هذا ادعاء فارغ لأن قادة الجيش الإسرائيلى أنفسهم يقولون منذ شهور طويلة أنهم استنفدوا كل الأهداف فى القطاع، وكذلك فى جنوب لبنان لكن المؤكد أيضا أن الاتفاق ليس فى صالح حماس.
ثامنا: يزعم نتنياهو أن الاتفاق يفصل «وحدة الساحات والمسارات» للمقاومة. يعلم الجميع أنه منذ وجهت إسرائيل ضربات نوعية لحزب الله وقادته ابتداء من منتصف سبتمر الماضى، فإن وحدة المسارات انفصلت عمليا وحزب الله صار يقبل وقفا لإطلاق النار، من دون اشتراط وقف العدوان على غزة. ورغم الدمار الواسع الذى أحدثته إسرائيل فى القطاع، فهى تتعرض لعمليات مقاومة نوعية حتى الآن.
السؤال: كيف سيكون رد إيران إذا ما تعرض الحوثيون أو الحشد الشعبى العراقى لهجمات إسرائيلية؟! هل ستتدخل، أم تكتفى بمدهما بالأسلحة؟.
تاسعا: الهجوم الشديد من الجناح اليمينى المتطرف فى إسرائيل ضد الاتفاق قد يعيد الانقسامات للمجتمع الإسرائيلى.
مرة أخرى كل ما سبق مجرد ملاحظات مبدئية فى انتظار ترجمة الاتفاق إلى وقائع سياسية على الأرض.