هبت على واشنطن عاصفة من النقد اللاذع وتشويه السمعة تتهم السيناتور شاك هاجيل، بأنه معادٍ للسامية وكاره للمثليين ومتعاطف مع خصوم أمريكا فى الخارج. بدأت العاصفة عند اللحظة التى أعلن فيها أن باراك أوباما يفكر فى تعيين هاجيل وزيرا للدفاع خلفا للوزير بانيتا الذى أعلن عن نيته فى الاستقالة من منصبه.
●●●
يأخذ المعلقون الموالون لإسرائيل على السيناتور المرشح لوزارة الدفاع أنه كثيرا ما استخدم فى خطاباته وتصريحاته عبارة «اللوبى اليهودى». يستخدمها، حسب رأيهم، لأن هدفه ترهيب النخبة السياسية فى واشنطن، وبخاصة أعضاء الكونجرس ورجال الإعلام. قاد الحملة ضد هاجيل، أو كان بين قياداتها، الكاتب فى صحيفة وول ستريت جورنال، بيرت ستيفنس، وهو الذى قال إن التحذيرات التى يصدرها هاجيل عن قوة اللوبى الصهيونى فى أمريكا ترتبط ارتباطا وثيقا بتوجهاته السياسية وتكشف عن شخصيته ومواقفه. هاجيل مثلا يقول دائما «أنا سناتور أمريكى ولست سناتور إسرائيليا». يقصد بذلك أنه ليس مسئولا عن الدفاع عن سياسات إسرائيل، ولكنه بصفته مشرعا أمريكيا مسئول أولا وأخيرا عن مصالح الولايات المتحدة. ويستشهد الكاتب، وهو معروف بميوله المتطرفة المؤيدة لإسرائيل، بحديث أدلى به شاك هاجيل للدبلوماسى آرون دافيد ميللر ذى النفوذ القوى فى دوائر صنع القرار ونشره فى كتابه الصادر عام 2008. جاء فى الكتاب نقلا عن هاجيل قوله «أنا أؤيد إسرائيل ولكن أول اهتماماتى الوفاء للقسم الذى أقسمته للدستور الأمريكى، وليس لرئيس أو لحزب وليس لإسرائيل».
يركز أنصار الحملة المنظمة ضد هاجيل على وصفه لحرب إسرائيل ضد حزب الله فى 2006 بأنها كانت نموذجا للتدمير الممنهج لدولة صديقة لأمريكا، ويقصد لبنان. يذكرون أيضا أنه رفض التوقيع على نداء صادر من الكونجرس الأمريكى موجه إلى الاتحاد الأوروبى يدعو فيه المفوضية الأوروبية إلى «إدراج حزب الله على قائمة المنظمات الإرهابية». يأخذون عليه أيضا خطابا ألقاه فى مجلس الشيوخ قال فيه إنه ليس من مصلحة أمريكا وإسرائيل على الأمد الطويل أن يسمحا لنفسيهما بأن يصبحا معزولين فى الشرق الأوسط وفى العالم.
●●●
ليس جديدا على الإعلاميين الناطقين باسم حركات الضغط اليهودى فى أمريكا السخرية من السياسيين الأمريكيين الذين «يستخدمون الولاء لأمريكا أولا غطاء أو مبررا لانتقاد سياسات إسرائيلية». يتهمونهم باستخدام حكاية الولاء للدستور الأمريكى وحبهم لأمريكا للتلميح بأن بعض اليهود الأمريكيين ربما كانوا ناقصى الولاء لأمريكا. وبتعبير آخر، يردده مسئولون أمريكيون وإن بصوت خفيض، هذا البعض من اليهود الأمريكيين يعتقدون أن ولاءهم لإسرائيل يجب أن يكون سابقا على ولائهم لأمريكا بل هو شرط ضرورى ولا غنى عنه لولائهم للولايات المتحدة. الأمر لا يتوقف عند هذا الحد إذ يطالب بعض قادة اليهود السياسيين الأمريكيين بأن يؤكدوا بمواقفهم أن دعمهم لإسرائيل جزء لا يتجزأ من ولائهم لأمريكا. لذلك فإن هذا الفريق يعتبر أن أى سياسى أمريكى يصر على الإعلان، بمناسبة وبدون مناسبة، عن ولائه لأمريكا أولا وأخيرا هو فى الواقع يوجه رسالة تشكك فى ولاء غيره. هكذا يجرى اتهام شاك هاجيل الذى يصر على ترديد ولائه لأمريكا بأنه يريد أن يشكك فى ولاء الآخرين. وقد تمادى معلقون من أنصار إسرائيل فوجهوا تهديدا إلى الرئيس أوباما بأنه إذا استخدم العناد مع يهود أمريكا وأصر على تعيين هاجيل لوزارة الدفاع فإنه يعرض نفسه لأخطر ما يمكن أن يواجهه رئيس أمريكى، وهو أن إسرائيل لن تعتبره صديقا لها.
●●●
الأمر فى حقيقته لا يتعلق فقط باختيار شاك هاجيل وحده بل أيضا بتعيين رفيق دربه السيناتور الديمقراطى جون كيرى وزيرا للخارجية خلفا للسيدة هيلارى كلينتون. الاثنان هاجيل السيناتور الجمهورى وكيرى السيناتور الديمقراطى يتفقان على أسبقية مبدأ الحوار فى تحقيق أهداف أمريكا الخارجية، ويؤمنان بأن المفاوضات يمكن أن تحرز النجاح حيث يصعب إحرازه بالمواجهة. يقول المؤيدون لهذا التوجه فى السياسة الأمريكية أنه بالمفاوضات نجحت أمريكا فى دفع سنة العراق إلى التخلى عن دعمهم تنظيم القاعدة بل والانقلاب عليهم، وفى دفع القذافى للتنازل عن مساعى امتلاك القنبلة النووية، وفى دفع العرب جميعا إلى ممارسة هدنة ممتدة مع إسرائيل، وفى دفع الفلسطينيين إلى التوقيع على إتفاقية أوسلو وسلوك طريق القبول بالأمر الواقع والسكوت سنوات طويلة على سياسات الاستيطان، وفى دفع «مصر الإسلامية» إلى القبول بالأمر الواقع الأمريكى ــ الإسرائيلى فى سيناء، وها هى أمريكا تنجح أيضا فى دفع حكام بورما العسكريين إلى تخفيض قبضتهم على السلطة فى البلاد وإدخال إصلاحات سياسية.
هذه التوجهات يؤمن بها بشكل عام كلا المرشحين لوزارتى الخارجية والدفاع فى ولاية أوباما الثانية، وبالتالى فإن وجودهما معا فى إدارة واحدة قد يعنى أنها ستسود خلال السنوات الأربع القادمة، بما يعنى أيضا فشل أهداف إسرائيل وقادة اليهود فى أمريكا نحو تصعيد الصراع مع إيران، وفى وقف الضغط على إسرائيل فى قضية التوسع فى بناء المستوطنات فى القدس وإقامة الدولتين.
من ناحية أخرى لا يمكن إنكار أن لشاك هاجيل أهمية رمزية أكبر من أهمية جون كيرى، حيث أن وجود سيناتور جمهورى من هذا الوزن الثقيل فى حكومة أوباما قد يؤدى حسب توقعات محللين أمريكيين إلى تهدئة أجواء التوتر بين الحزبين الديمقراطى والجمهورى اللذين يوشكان على الدخول فى مواجهة شديدة على موضوع الهاوية المالية والعجز فى الميزانية وإصلاح نظام الضرائب. لا يغيب عن البال أن هناك فى واشنطن من لا يريد أن يرى هذا التقارب فى موقف الحزبين فى الشئون الداخلية خشية امتداده إلى مواقف الحزبين فى الشئون الخارجية، هؤلاء لا يريدون أن تمتد يد أمريكا سعيا لتهدئة مع إيران وفنزويلا وحماس وسوريا.
●●●
رضخ أوباما لضغوط الجمهوريين فى الكونجرس فسحب ترشيح سوزان رايس التى رشحها وزيرة للخارجية قبل أن يرشح جون كيرى. أعتقد، ولا أظن أننى أبالغ فى اعتقادى، أن سوزان كانت كبش فداء فى قضية كان الهدف فيها إخضاع هيلارى كلينتون للتحقيق فى حادث مصرع السفير الأمريكى فى بنغازى. أعتقد أيضا أن أوباما لم ينزعج بشدة لفشله فى تعيين سوزان محل هيلارى لأنه فيما أتصور كان يفضل فريقا متجانسا وقويا للسياسة الخارجية، يحقق له مجموعة أهداف فى السياسة الخارجية للفترة الثانية وهى الأهداف التى أظن أنها تتوافق مع أهداف المؤسسة العسكرية للمرحلة ذاتها. يأتى فى صدارة هذه الأهداف تغليب القوة الناعمة على القوة الخشنة أو الصلبة.
●●●
مطلوب للمؤسستين، العسكرية والرئاسة، فى هذه المرحلة القصيرة نسبيا التوصل إلى اتفاق تفاوضى مع الطالبان يضمن انسحابا كريما للقوات الأمريكية من أفغانستان، واتفاق تفاوضى أيضا مع إيران وكوريا الشمالية وترتيبات عظمى مع الصين تضمن الانتقال السلمى لأمريكا من دور رئيس فى قيادة عالم الأطلسى وأوروبا إلى دور مشارك فى قيادة عالم الباسيفيكى وشرق آسيا.