بينما شربوا الشامبانيا فى القدس، وفى واشنطن غرّدوا باعتداد بالنفس، يستمر الشرق الأوسط فى التقدم نحو سيناريو رعب لمنطقة تحوى لاعبين نوويين متعددين. ليس المقصود هذه المرة إيران، بل توسُّع مشاريع نووية من أجل الطاقة. وفى منطقتنا تميل مشاريع نووية مدنية فى النهاية لتتحول إلى مشاريع عسكرية.
حاليا تستهلك السعودية حوالى ربع إنتاجها من النفط، وإذا لم تنوّع مصادرها لتوليد الطاقة يمكن أن تتحول هذه الدولة النفطية العظمى إلى دولة مستوردة للنفط خلال 20 عاما. ولذلك، طرحت السعودية مؤخرا مناقصات لبناء أول مفاعلَين نوويَيْن من مجموع 16 مفاعلا. بالإضافة إلى الحاجة إلى الطاقة، ما يدفع السعوديين هو الخوف المتزايد من إيران، والرغبة فى أن يضمنوا على الأقل وجود بنية تحتية لقدرة عسكرية نووية، بعد أن تزعزعت ثقتهم فى حليفتهم الاستراتيجية الأمريكية. تعارض السعودية الشرط الأمريكى للحصول على مفاعلات، وهو التخلى عن القدرة على تخصيب اليورانيوم. هذا الشرط الذى يُعتبر ضروريا لمنع سوء استخدام المشاريع النووية المدنية سبق أن قبلت به مصر واتحاد الإمارات فى الخليج.
بعد أن سمح الاتفاق النووى الموقّع سنة 2015 لإيران بتخصيب اليورانيوم، من الصعب على الولايات المتحدة اليوم أن تطلب من السعودية التنازل عن مثل هذه القدرة، وتتخوف من أن إصرارها على طلبها سيدفع السعودية إلى شراء مفاعلات من مزوّدين آخرين، مثل روسيا والصين حيث شروط التزويد والرقابة أقل صرامة. بناء على ذلك، ومن أجل زيادة فرص الولايات المتحدة للفوز بمناقصات المفاعلات تدرس الإدارة التخلى عن طلبها، الأمر الذى سيؤدى إلى طلب مماثل من جانب مصر واتحاد الإمارات فى الخليج، وإلى زيادة التهديد الإيرانى، ويمكن أن تكون النتيجة انهيار الاتفاق النووى ونشوء سباق تسلح نووى فى المنطقة.
وفى الخلفية تحاول روسيا استغلال صفقات نووية وعسكرية من أجل أن تعيد لنفسها مكانة قوة قائدة فى المنطقة. وقد وقّعت مؤخرا اتفاقا للتعاون النووى مع السعودية، وصفقات سلاح أولى تتضمن منظومات دفاع جوى من طراز(Sــ400)، وصواريخ وغيرها، وفى ديسمبر وقّعت اتفاقا مع مصر لبناء 4 مفاعلات للطاقة حتى نهاية سنة 2028. ستموّل روسيا المفاعلات، وستبنى فى مصر مصانع لإنتاج قطع خاصة بها. يقول خبراء إنه توجد وسائل أقل تكلفة لإنتاج الطاقة فى مصر، ويعبّرون عن دهشتهم حيال دوافع المشروع. وفى سنة 2017 بدأت روسيا بتزويد مصر بطائرات وطوافات متقدمة، ومؤخرا جرى التوصل إلى اتفاق موقت هو الأول من نوعه منذ طرد السوفييت من مصر سنة 1974، بشأن استخدام روسى للقواعد الجوية المصرية. وهكذا تتوالى الصفعات السعودية والمصرية القوية الموجهة لواشنطن.
فى سنة 2016 باع الروس الأردن مفاعليْن للطاقة سينتهى العمل فيهما فى سنة 2025. وقد بدأ مفاعل أبحاث نووى من إنتاج كوريا الجنوبية العمل فى الأردن فى سنة 2016. وفى اتحاد الإمارات من المفترض أن يبدأ العمل هذه السنة فى أول مفاعل لتوليد الطاقة بين 4 مفاعلات ستقوم كوريا الجنوبية بتزويدها حتى سنة 2020. كما وقّعت روسيا مع دولة الإمارات فى سنة 2017 صفقات سلاح بنحو 2 مليار دولار، تشمل منظومات دفاع جوى وصواريخ متقدمة، كما جرى البحث فى شراء طائرات سوخوى. وأيضا، اشترت تركيا منظومات دفاع جوى متقدمة من روسيا، وحتى البحرين، وقطر، والمغرب تبدى اهتمامها بمنظومة روسية سبق أن وُضعت فى سورية.
تدريجيا تحيط بإسرائيل مشاريع نووية. الخطر ليس مباشرا، وستحتاج الدول العربية إلى سنوات عديدة لتحويل هذه المشاريع إلى بنية لبناء قدرات عسكرية، لكن يمكن أن تؤدى هذه المشاريع إلى انهيار الاستقرار الإقليمى النسبى الناشئ بعد الاتفاق النووى مع إيران. ويضع هذا الأمر إسرائيل فى مواجهة معضلة صعبة ليست موجودة حاليا مع إيران. ففى جميع هذه الحالات المقصود هو دول نقيم معها سلاما شكليا أو عمليا، وهى تشاركنا الرغبة فى كبح إيران، وتحظى بشكل أو بآخر بالتزامات أمنية أمريكية حيالها. وعمليا لا تملك إسرائيل خيارا عسكريا فى مواجهتها، إلاّ فى الحالات القصوى. وبهذه الطريقة تلوح نهاية «عقيدة بيغن» القائلة إن على إسرائيل أن تتحرك عسكرياٍ، إذا تطلب الأمر ذلك لإزالة تهديدات نووية.
معنى ذلك، أنه فى هذ الموضوع، كما فى القضايا الأمنية المركزية المطروحة على جدول الأعمال (الفلسطينيون، وإيران، والجبهة الشمالية) ليس هناك أجوبة عسكرية فعالة إسرائيل مستعدة لدفع ثمنها. فى إمكان الجيش الإسرائيلى أن يربح وقتا مهما، لكن يمكن إيجاد حل فعلى فقط على الصعيد الدبلوماسى.
بناء على ذلك، يجب على إسرائيل أن تضغط على الولايات المتحدة كى لا تسمح للسعودية بتخصيب اليورانيوم. ومع أننا فى هذا الوقت نتطلع إلى اختراق فى العلاقات مع الرياض، إلاّ إنه يجب عدم المجازفة بخطوة يمكن أن تُشعل سباق التسلح النووى فى المنطقة. لكن يمكن إيجاد تسوية محتملة تحافظ على مصالح السعودية وكرامتها فى اقتراح الخبير الأمريكى روبرت إينهورن، الذى بحسبه تتحدد فترة المنع بـ 15 سنة. ويمكن تمديدها دائما.
ثمة احتمال آخر هو تشجيع الإدارة على العمل على بلورة معيار جديد، بين الدول الست التى تنتج مفاعلات حاليا، وتشترط بموجبه التزويد بالمفاعلات بالتخلى عن قدرة التخصيب وشراء الوقود من المورّد فقط. وهذه مهمة غير بسيطة، فالدول التى تنافس الولايات المتحدة فى هذا المجال ستخاف من خسارة ميزة تجارية فى الوقت الذى توجد فيه عدة صفقات قيد البحث.
على مدى أكثر بعدا ستنضم هذه التطورات إلى توجهات أُخرى ستفرض على إسرائيل فحصا معمقا لمستقبل سياستها الاستراتيجية. وفى مواجهة خطر شرق أوسط مع لاعبين نوويين كثر ستضطر إسرائيل إلى تغيير سياسة الغموض والسعى للتوصل إلى اتفاقية دفاعية مع الولايات المتحدة وأيضاَ إلى امكانات، قد تبدو خيالية اليوم، تتمثل فى رقابة إقليمية على السلاح.
تشاك فرايليخ
نائب رئيس سابق لمجلس الأمن القومى ــ وأستاذ فى معهد هرتسليا المتعدد المجالات
هاآرتس
من مؤسسة الدراسات الفلسطينية