الإخوان المسلمون والحاجة إلى جبهة وطنية موسعة - عبد الفتاح ماضي - بوابة الشروق
الجمعة 27 ديسمبر 2024 2:45 ص القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

الإخوان المسلمون والحاجة إلى جبهة وطنية موسعة

نشر فى : السبت 28 أبريل 2012 - 9:35 ص | آخر تحديث : السبت 28 أبريل 2012 - 9:35 ص

تحتاج مصر فى هذه اللحظة التاريخية إلى حركة وطنية جامعة، هدفها المشترك الجامع هو استكمال مسار ثورتها وإعادة بناء مصر وإصلاح ما أفسده النظام البائد. ثلاثة أسباب رئيسية تحتم هذا النوع من التكتلات: صعوبة انفراد فصيل واحد بمهمة إنجاح عملية انتقال السلطة واستكمال مسار الثورة، وصعوبة انفراد قوة واحدة بمهمة البناء والنهضة، ووجود مخاطر على الثورة فى الداخل والخارج.

 

نجح هذا النوع من التحالفات الواسعة (أو ما يسمى «الحركات أو الأحزاب عابرة الأعراق والأديان») فى المراحل التاريخية للتغيير وفى حالات الانتقال الديمقراطى. ففى الهند هناك حزب المؤتمر الذى ناضل لأجل الاستقلال حتى 1947 ثم لعب دور الحزب الجامع بعد الاستقلال، وهو يحكم الهند منذ الاستقلال (فيما عدا فترات قصيرة بالسبعينيات والتسعينيات)، وساهم فى تحقيق وحدة الهند ونهضتها حتى صارت من الدول المرشحة لدخول نادى الدول العظمى. وفى ماليزيا هناك حركة أمنو التى تحكم البلاد منذ الاستقلال وحتى الآن على نفس النمط الهندى. كما أن حزب العدالة والتنمية التركى يسير على نفس المنوال بتحالفاته الواسعة وقدرته على توسيع دائرة مؤيديه وسط طبقات وفئات مختلفة بالمجتمع.  

 

وقد حاولت بعض الأحزاب العربية قبل، وبعد الاستقلال، لعب الدور ذاته، كحزب الوفد الذى تشكل كمظلة وطنية جامعة، وجبهة العمل الوطنى السورية، وجبهة التحرير الوطنى الجزائرية، وحزب الاستقلال المغربى، دون أن تنجح بسبب الانقلابات العسكرية وتشتت النخب أو تدخل الخارج.. كما كان تكتل  القوى الوطنية فى مصر، قبيل ثورة 25 يناير، ضمن الجمعية الوطنية للتغيير عاملا حاسما فى نجاح الثورة.

 

●●●

 

بعد الثورة حصلت جماعة الإخوان المسلمين لأول مرة فى تاريخها على شرعية شعبية كأكبر فصيل بالبرلمان، إلا أنها لم تستثمر هذا حتى الآن بالشكل الذى يسير بها فى مسار الأمثلة السابقة، وفقدت جزءا من رصيدها بعد أن اختارت النضال فى البرلمان تاركة الميدان لفترة طويلة لتكتشف بعد ذلك أن البرلمان منقوص الصلاحيات طبقا للإعلان الدستورى. وبرغم عودتها للميدان مؤخرا، فإن نجاح عملية الانتقال الديمقراطى يتطلب أكثر من هذا.

 

فهل تستطيع الجماعة، باعتبارها الفصيل الأكبر فى البلاد، تحمل مسئوليتها التاريخية والتحرك فورا لاستكمال انفتاحها الأخير والمساهمة فى استكمال الثورة باستخدام الأسلوب المجرب تاريخيا والذى صار، بأشكال مختلفة، من السنن الكونية فى تجارب الانتقال الديمقراطى الناجحة فى العقود الأربعة الماضية؟ هذا الأسلوب المجرب هو جمع القوى الوطنية خلف المشترك الوطنى الجامع عبر إقامة كيان منظم يقوم على تنسيق وتحالف قوى عابر للانتماءات الأيديولوجية ويضم جميع الأحزاب الرئيسية بالبرلمان والهيئات والشخصيات العامة الوطنية.

 

إن الوضع فى مصر وضع استثنائى ولا توجد ديمقراطية حقيقية حتى اليوم ولا قواعد للتنافس الحر حتى يتصور البعض أن بإمكان الأغلبية فعل ما تشاء كما بالديمقراطيات الراسخة. إننا فى مرحلة انتقالية تأسيسية تحتاج من النخب والقوى السياسية النظر إلى مجمل الصورة والتكتل على أسس موضوعية بحتة لأجل المصلحة العامة ووضع أسس الديمقراطية والتنافس. هذا ما فعلته القوى الوطنية والنخب الواعية فى معظم حالات الانتقال الديمقراطى الناجحة. 

 

إن الهدف الاستراتيجى للتكتل هو تنفيذ مهام محددة لاستكمال الثورة وانتقال السلطة ووضع مصر على بداية طريق النهضة، وهى: معارضة تأجيل انتخابات الرئاسة، والاتفاق على فريق رئاسى من المرشحين المحسوبين على الثورة، فبدون هذا الاتفاق فليس من المتصور أن ينجح أحد من هؤلاء أمام مرشحى النظام السابق. وسوء التقدير هنا سيأتى بعواقب وخيمة على الثورة والقوى المحسوبة عليها. كما يجب التوافق على تشكيل الجمعية التأسيسية على أساس معيار الكفاءة وبدون التقيد بالأوزان الحزبية، مع اعتماد وثيقتى الأزهر والتحالف الديمقراطى كمرجعية عليا للدستور، ومعارضة أى وضع استثنائى للمؤسسة العسكرية بالدستور.

 

ويجب أيضا الاقتناع بصعوبة قدرة أى حكومة ضيقة على التصدى لكل التحديات والاتفاق على تشكيل حكومة وحدة وطنية موسعة ببرنامج وطنى محدد يهتم بأولويات المرحلة وبعيدا عن القضايا الخلافية الكبرى (وضع أسس دولة القانون والحريات، معالجة الوضعين الأمنى والاقتصادى، رفع وعى الجماهير وتعبئتهم للإسهام بمشروع النهضة، معالجة العلاقات المدنية العسكرية بهدوء وحكمة، وبناء علاقات خارجية قوية بإقامة جسور تعاون مع جميع الدول المؤثرة وعدم إثارة مواقف حاسمة (الآن) من القضايا الشائكة). وأتصور أنه يجب أن تضم الحكومة الموسعة ممثلين عن الأحزاب الرئيسة بالبرلمان وشخصيات تكنوقراطية ذات كفاءة. ويمكن تقنين هذا الوضع بالدستور باشتراط أن تكون أول حكومة بعد اعتماد الدستور حكومة وحدة وطنية من جميع الأحزاب الرئيسية بالبرلمان، كما حدث بعد أول انتخابات فى جنوب أفريقيا بعد الانتقال.

 

●●●

 

سيكون هذا النوع من التحالفات (بشرعيته الشعبية وتوافقه السياسى الواسع) قادرا على طمأنة الجيش بأن هناك بديلا وطنيا، غير إقصائى، يُعتمد عليه فى قيادة البلاد وتسليم السلطة إليه، وسيكون قادرا على ترسيخ النظام الديمقراطى ووضع أسس ديمقراطية للعلاقات المدنية العسكرية. كما سيتمكن من مواجهة تحديات الخارج أيضا، فهو لا يعبر عن فصيل واحد أو لون أيديولوجى واحد، ومن ثم سيكون له ثقل سياسى وشرعية شعبية عند تصديه لأى مخاطر أو إملاءات تأتى من الخارج.

 

ويتطلب نجاح هذا التكتل تخلى جميع أطرافه عن خطاب الاستقطاب والتوقف نهائيا عن التذكير بالمواقف السابقة والتركيز بشكل مطلق على المستقبل والمصلحة الوطنية الجامعة. ويتطلب أيضا ذراعا إعلامية فعّالا يتولاه متخصصون بالإعلام، بجانب وضع عهد مكتوب يتضمن أسس وقواعد وآداب الممارسة السياسية وتحديد جهة لفض النزاعات. بجانب الاتفاق على ضرورة استمرار الضغط الشعبى وعدم التخلى عن الميادين مادامت السلطة بيد المجلس العسكرى أو ما دام نفوذ المجلس مستمرا بشكل غير مباشر.

 

عبد الفتاح ماضي  أستاذ العلوم السياسية بجامعة الإسكندرية
التعليقات