هل توقّّف استعباد الأفارقة؟ - محمد السماك - بوابة الشروق
الإثنين 23 ديسمبر 2024 6:32 م القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

هل توقّّف استعباد الأفارقة؟

نشر فى : الأحد 29 أبريل 2012 - 8:00 ص | آخر تحديث : الأحد 29 أبريل 2012 - 8:00 ص

اطلعت فى المكتبة الوطنية فى مدينة تطوان بشمال المغرب على كتاب باللغة الإسبانية يتحدث عن تاريخ استعباد الأفارقة. استوقفتنى فى الكتاب القصة التالية كما ترجمها لى صديق من أهل المدينة ــ تقول القصة انه توجد فى مدينة سان باولو بالبرازيل عائلة برازيلية مسيحية تتحدر من أصول أفريقية. وتتوارث هذه العائلة أبا عن جد تعويذة ملفوفة بغلاف جلدى تعلق حول العنق. يعتقد أفراد العائلة أن فتح اللفافة يؤدى حتما إلى التعرض لأذى الجن. ولذلك حافظوا عليها مقفلة جيلا بعد جيل. غير أن أحد ابنائها وقد أصبح استاذا لمادة الهندسة فى الجامعة، سخر من هذه الشعوذة، وقرر فتح اللفافة.

 

وبالفعل ما إن فتحها بالمشرط، حتى تساقطت منها قصاصات ورقية مكتوب عليها بأحرف غريبة. حمل المهندس القصاصات إلى الجامعة، فقيل له إن الكلمات باللغة العربية، توجه بعد ذلك إلى إحدى القنصليات العربية فى المدينة ليستعين بمترجم، ليكتشف ان النصوص هى من القرآن الكريم. وانها تعويذة إسلامية. وقد استدل من ذلك على أن صاحب التعويذة الذى استعبد من افريقيا والذى يتحدر منها المهندس وعائلته، كانت عائلة مسلمة.

 

●●●

 

بين القرنين السادس عشر والتاسع عشر تم «شحن» 10.7 مليون أفريقى عبر الأطلسى، منهم نحو خمسة ملايين «شحنوا» إلى البرازيل وحدها، واستقبل مرفأ فالونجو فى ريو دى جنيرو نصف مليون من هؤلاء الأفارقة بين عامى 1811 و1843. غير أن هذا المرفأ لم يعد موجودا الآن. فقد جرى طمر معظمه وتحويله إلى ساحة لاستقبال أميرة فرنسية اجتازت المحيط ليتزوج منها الامبراطور البرازيلى ــ الاسبانى بيدرو الثانى. وينتصب وسط هذه الساحة حتى اليوم عمود من الرخام الأثرى تخليدا لوصول الأميرة الزوجة.

 

وكما اكتشف المهندس البرازيلى بالمصادفة سر التعويذة التى حملها أجداده معهم من أفريقيا، اكتشف موقع مرفأ فالونجو بالمصادفة ايضا، وذلك فى أثناء القيام بحفريات لتجميل مدينة الريو، استعدادا لدورة الألعاب الأوليمبية التى ستجرى فيها فى عام 2016.

 

وقد قررت بلدية المدينة تحويل الموقع إلى متحف لتاريخ الاستعباد الأفريقى. ولكن لم يعرف ماذا قرر المهندس أن يفعل بالتعويذة، ولعله يضمها إلى محتويات المتحف.

 

فاستنادا إلى دراسات أجريت فى عام 2010، فإن 51 بالمائة من البرازيليين هم من الملونين السود والسمر ويتحدرون من أصول افريقية وآسيوية. غير أنهم يعانون من التمييز. فمعدل دخل الرجل الأبيض فى البرازيل يزيد على ضعفى دخل الرجل الأسود. وذلك على الرغم من أن البرازيل وضعت قوانين ضد التمييز العنصرى منذ عام 1950، حتى إن المتهم بارتكاب جريمة التمييز العنصرى يعتقل قبل محاكمته ويبقى معتقلا إلى أن تنتهى محاكمته. وحتى الدستور البرازيلى الذى صدر فى عام 1988، يعتبر العنصرية جريمة.

 

ولا يزال أكثر من نصف سكان الأحياء العشوائية الفقيرة «فافيلاس» فى مدينة الريو من السود.. مقابل 7 بالمائة منهم فقط يعيشون فى الأحياء الغنية من المدينة.

 

●●●

 

ولعل أبرز ما تتجلى العنصرية فى الجامعات. حتى أن الدولة فرضت عليها نظام الكوتا بعد أن فشلت كل المحاولات الأخرى لتجاوز التمييز الجامعى ضد السود. ومنذ عام 2001 فرض هذا النظام على أكثر من سبعين جامعة برازيلية عامة. وفى مدينة الريو بالذات فإن جامعات المدينة ملتزمة بتخصيص20٪ من مقاعدها للطلاب السود شرط نجاحهم فى امتحانات الدخول، كما انها ملتزمة بتخصيص 25٪ أخرى للطلاب المتخرجين فى المدارس الرسمية (ومعظمهم من الفقراء ومن السود أيضا).

 

غير أن المشكلة هى أن 6.3٪ فقط من الشبان السود الذين تتراوح أعمارهم بين 18 و24 عاما، يلتحقون بالجامعات وبالمعاهد العليا، مقابل 19.2 للشبان البيض. وتعكس هذه الأرقام على ضآلتها تقدما كبيرا نحو تجاوز القيود العنصرية. إذ إنه خلال السنوات الخمس الماضية زاد عدد الطلاب السود الذين التحقوا بالجامعات على عدد أسلافهم الذين وجدوا سبيلا إلى الدراسة الجامعية طوال الخمسمائة سنة الماضية!

 

لا يعنى ذلك بالضرورة ان العنصرية فى البرازيل تشبه العنصرية فى الولايات المتحدة التى استمرت حتى مطلع السبعينيات من القرن الماضى، حيث تبلغ نسبة السود فيها 12 بالمائة فقط. فالبرازيل لم تعرف حركة عنصرية ضد السود مثل حركة «كوكلوكس كلان» التى اشتهرت باضطهاد السود وقتلهم على لون بشرتهم. كما انها لم تعرف قانونا عنصريا يحرم الزواج بين السود والبيض كما كان الأمر فى 17 ولاية أمريكية حتى عام 1967، ولذلك لم تعرف البرازيل حركة تحرير من العنصرية كالحركة التى عرفتها الولايات المتحدة والتى أوصلت لأول مرة فى التاريخ الأمريكى رجلا أسود (باراك أوباما) إلى سدة الرئاسة فى البيت الأبيض. كما أوصلت كوندوليزا رايس إلى رئاسة مجلس الامن القومى ومن ثم إلى وزارة الخارجية، والجنرال كولن باول قبلها من قيادة القوات الأمريكية فى الشرق الأوسط (حرب الخليج الأولى) إلى وزارة الخارجية أيضا.

 

●●●

 

ولعل أهم منصب فى الدولة البرازيلية يحتله رجل أسود هو عضوية مجلس القضاء الأعلى، ومديرية الشرطة المحلية. أما الحكومة البرازيلية الحالية، فلا تضم سوى وزير أسود واحد، علما بأن الحكومة المؤلفة من 38 وزيرا تضم عشر نساء.

 

لقد توقفت عمليات «شحن» السود من افريقيا عبر الأطلسى. ولكن عمليات الاستعباد لا يبدو أنها توقفت. فهى تتواصل من خلال التمييز العنصرى الذى يلوى ذراع القانون.. وحتى الدستور

محمد السماك كاتب وصحفي لبناني
التعليقات