أشعر أن ما يحدث للقضاء اعتداء على شرف مصر وإهدار لكرامة كل مصرى ومصرية.. وأؤيد كل الخطوات التى من شأنها مناصرة القضاء وردع الأوغاد الذين يريدون النيل من شرف مصر وكرامتها وقيمها بما فى ذلك التحرك الدولى فى ساحة الأمم المتحدة.. إلا أن باب المحكمة الجنائية الدولية موصد تماما لعدة أسباب.
فالمحكمة الجنائية الدولية تنعقد ولايتها إذا ما وقعت الجرمية فى أرض دولة طرف فى النظام الأساسى للمحكمة أو إذا كان المتهم ينتمى إلى جنسية دولة طرف فى النظام الأساسى ومصر ليست طرفا فى هذا النظام فقد وقعت ولم تصدق على النظام حتى الآن، وقد علمت من مصدر ثقة أنه عند عرض الأمر على الرئيس السابق حسنى مبارك أشر بكلمة لا بطول الصفحة من أولها لآخرها.
ويضاف إلى ذلك أن المحكمة الجنائية الدولية تخص بأربعة جرائم على سبيل الحصر هى:
ــ جريمة إبادة الجنس.
ــ جرائم الحرب.
ــ الجرائم ضد الإنسانية.
ــ وجريمة العدوان.
وهذه الأخيرة أى جريمة العدوان لم تفعل بعد انتظارا لتوصل المجتمع الدولى إلى تعريف متفق عليه «للعدوان»، صحيح أن هناك قرارا من الجمعية العامة للأمم المتحدة بتعريف العدوان تعريفا واسعا يتضمن اعتبار «استمرار احتلال أراضى الغير» نوعا من العدوان، إلا أن هذا القرار لم توافق عليه الكثير من الدول.
إذن فهى ثلاث جرائم فقط التى تدخل فى اختصاص المحكمة.. وقد يقول قائل إن ما يحدث ضد القضاء المصرى وإن لم يكن جريمة حرب أو جريمة إبادة جنس إلا أنه بلا شك جريمة ضد الإنسانية.. ولكن المادة السابعة من النظام الأساسى المنشأ للمحكمة الجنائية قد نصت على الجرائم ضد الإنسانية على النحو التالى.
لفرض هذا النظام الأساسى يشكل أى فعل من الأفعال التالية «جريمة ضد الإنسانية»:
القتل العمد الإبادة الاسترقاق النقل القسرى للسكان التعذيب الاغتصاب اضطهاد جماعة محددة من السكان لأسباب سياسية أو عرقية أو قومية أو ثقافية أو دينية جريمة الفصل العنصرى.
●●●
أما السودان الذى سيق إلى المحكمة دون أن يكون طرفا فى نظامها الأساسى، فقد تم ذلك بموجب المادة 13 التى تعطى مجلس الأمن الحق فى إحالة أى حالة يبدو فيها أن جريمة أو أكثر من هذه الجرائم قد ارتكبت بشرط أن يقرر ذلك بناء على الفصل السابع من الميثاق الخاص بنشوء حالة تهدد الأمن والسلم الدوليين.
وأخيرا أود أن أقول إن قضاء المحكمة الجنائية الدولية هو مكمل للقضاء الوطنى وليس بديلا عنه، ولذلك فمن شروط قبول الدعوى وممارسة الاختصاص أن يكون المدعى قد استنفد كل سبل الانتصاف الداخلى أو يكون القضاء الوطنى غير قادر أو غير راغب فى ممارسة إخصاصه «المادة 17».
●●●
هكذا ترى أنه لا سبيل إلى المحكمة الجنائية الدولية، لم تصدق مصر على نظامها الأساسى، وحتى فى هذه الحالة أى إذا صدقت مصر على النظام فلا يجور للمحكمة أن تمارس اختصاصها إلا فيما يتعلق بالجرائم التى ترتكب بعد بدء نفاذ هذا النظام بالنسبة لمصر «المادة 11» أى بعد إيداع صك التصديق بستين يوما «المادة 126».
ولا يعتمد ذلك أن مجال التحرك فى الساحة الدولية موصدا تماما، لأنه يمكن لنادى القضاة مثلا باعتباره منظمة أهلية غير حكومية أن يتحرك فى إطار منظمات حقوق الإنسان الدولية واتحاد القضاة الدولى بالإضافة إلى اتفاقيات حقوق الإنسان ذات الصلة المنضمة إليها مصر مثل مناهضة التعذيب والمعاملة القاسية والمهينة واللا إنسانية.
والأهم من كل ذلك هو التحرك الداخلى.. فالتأييد الشعبى لموقف القضاء جارف.. والغضب المعتمل فى النفوس ليس له مثيل.. ولينصرن الله من ينصر.. إن الله لقوى عزيز.
كاتب ومحلل سياسى