عنوان قد يلفت النظر لغرابته «الستة.. دال» لكنك عزيزى القارئ إذا ما تبينت معناه فيمكنك اعتبارها دعوة لحضور واحد من أكثر معارض فن الرسم تفردا.
فى السادسة مساء بدار الأوبرا بقاعة آدم حنين بمبنى الهناجر تم افتتاح معرض للوحات ستة من هواة الفن فهم فى الواقع شخصيات ستة معروفة من المجتمع جمعهم حب الفن فمارسوه كهواية إلى جانب مهنتهم الأساسية والتى صادف أن كانت الطب.
جميعهم حاصلون على الدكتوراه فى فلسفة العلوم الطبية كما تنص شهاداتهم العلمية: هدى صادق، أحمد الشرقاوى، مجدى خالد شرف الدين، نادية الشرقاوى، عصام القوصى ثم د. صفاء شرابى الحاصلة على دكتوراه فى العلوم (جيولوجيا).
إذن هم الدكاترة الستة الذين جمعهم الطب فهم جميعا من خريجى قلعة الطب العريقة القصر العينى والفن أيضا فأطلقوا على المعرض اسم الستة.. دال.
قام بافتتاح المعرض الذى يستمر حتى الرابع من مايو الأستاذ الدكتور طاهر عبدالعظيم الأستاذ بكلية الفنون الجميلة.
نحن أمام ظاهرة تتكرر فقد عرف المجتمع المصرى الكثير من أسماء الأطباء الذين ارتبطت أسماؤهم بألوان من الفنون ككتابة الشعر والقصة والتصوير والآن يجتمع ستة منهم على التعبير عن أنفسهم بالرسم.
الجديد فى تلك الظاهرة أن الأطباء الستة مارسوا الطب لسنوات وحققوا فى تخصصاتهم المختلفة نجاحات باهرة فمنهم جراح التجميل الأشهر وطبيبة التخدير المعروفة وجراح الأطفال الذى انحاز للفن فاعتزل الطب.
منهم أيضا خبير الصحة الإنجابية والمدير السابق لصندوق الأمم المتحدة للسكان بمصر: هم فى خريف العمر اختاروا أن يبدأوا ربيعا جديدا وأن يتجاهلوا شتاء آتيا.
من المؤكد أن وراء كل من الستة حكاية يجب أن تروى فالأمر يحتاج إلى قدر من الشجاعة نادر. أن تبدأ فى تعلم الرسم فى تلك السن فتعثر على كنز من الموهبة مدفون فى أعماقك فتبدأ فى نسج شرنقة تعيش فيها تجربتك وتمارس اجتهادك حتى يحين موعد انطلاق الفراشة التى لونت أجنحتها أحلامك وراءك. ثم تبدو فخورا بما أبدعت حتى أنك تعرضه على الناس فى معرض عام.
إذا جاز لى اليوم أن أحكى قصة أحدهم فذلك لأننى عاصرتها وشهدت وقائعها وعشت تفاصيلها مع صديقتى الأثيرة هدى صادق أستاذة تحاليل الدم بالقصر العينى.
حتى سنتين مضتا كانت صديقتى مثالا للأستاذ الجامعى المجتهد الذى يقضى أغلب وقته بين المعامل فى الكلية وقاعات المحاضرات والإشراف على الرسائل الجامعية. أتمت مهمتها فى تربية ابن متفوق انتهى من دراسة الطب وابنتين تزوجتا واستقلت كل منها بحياتها. جمع بيننا دائما ميول مشتركة وأفكار متقاربة واعتدت أن أراها تتقن كل ما تفعل ودائما ما كانت سندى فى كل مشروعاتى لخدمة مرضى القلب. سألتنى مرة هل تتخيلين أن أنجح لو فكرت فى تعلم الرسم؟ أعجبتنى الفكرة تماما فقد كنت أعلم جيدا أنها تسأل سؤالا عندها إجابته.
لم يستغرق الأمر وقتا طويلا فقد بدأت وانطلقت. بدأت بدروس مكثفة لتتأكد من موهبتها ثم اجتهدت كعادتها وذات يوم دعتنى لمنزلها فأذهلنى ما رأيت.
مجموعة من اللوحات البديعة لموضوعات مختلفة معظمها من الطبيعة حولها: الأشجار والزهور والنيل وأماكن زارتها كالنوبة. كان الاجتهاد سمة واضحة رغم أن البداية كانت بالفعل قوية إلا أن تطور أدائها وتصويرها كان واضحا ويشى بموهبة تلقائية نادرة.
تجربة صديقتى الأثيرة كانت النافذة التى فتحتها لتطل على عالم آخر صنعته من خيالها. تجربة إنسانية صادقة للخلاص من ضغوط الحياة التى تداهمنا بلا هوادة فى كل الأيام العام منها يختلط بالخاص. تجربة بالفعل تعلن عن ذكاء فطرى وفهم عميق لعلم النفس أعادت بها اكتشاف نفسها وأفصحت عن موهبة يراها المجتمع اليوم فى معرض الستة.. دال.
تحية واجبة لكل من يستعيد ربيع عمره.. ويصر على الاستمتاع به وهو على أعتاب الشتاء.
تحية للستة.. دال.. الأطباء الفنانين.