كانت مفاجأة أن يخسر منتخب مصر أمام منتخب أمريكا فى بطولة القارات، بعد أدائه المشرف أمام البرازيل وايطاليا، لكن المفاجأة الكبرى كانت هزيمة الماتدور الإسبانى الذى كان مرشحا بقوة للفوز بالبطولة أمام الأمريكان، وليس مستبعدا أن يواصل ابناء العم سام مفاجأتهم، وينتزعوا كأس القارات من راقصى السامبا فى مباراة اليوم ــ أكتب المقال صباح الأحد ــ وستكون هذه بالفعل أكبر مفاجآت البطولة.
التقييم الفنى لمباريات البطولة ليس موضوع هذا المقال ولا هو فى مقدرة صاحبه، ولا يفتى والمستكاوى فى الشروق، لكننى أتوقف عند عدة نقاط لفتت انتباهى وأرجو أن تشاركونى فى التفكير فيها، أبدأها بهذه الصورة الرائعة التى تناقلتها وكالات الأنباء العالمية لحارس مرمى إيطاليا بوفون، الذى يعد واحدا من أفضل حراس المرمى فى العالم، وهو يهنئ بابتسامة ودود حارس مرمى مصر عصام الحضرى على أدائه عقب مباراة مصر وإيطاليا، وإشارته له بيده والتى تعنى كنت «متميزا جدا»، ثم تصريحاته التى قال فيها إن الحضرى فى مباراة أيطاليا أثبت أنه من أفضل حراس المرمى فى العالم.
سلوك بوفون يثبت روحه الرياضية العالية وإدراكه دلالات المنافسة الشريفة التى تنطوى عليها المسابقات الرياضية، وأنها فى نهاية المطاف واحدة من وسائل الترويح عن النفس واسعاد الذات والآخرين، دون تقليل من شأن المراهنات ومئات الملايين من الدولارات التى باتت تستثمر فيها ودنيا الاحتراف فى كل تفاصيلها.
فى مصر، تحولت مباريات كرة القدم إلى مناسبات للانتشاء بالذات إلى حد الغطرسة فى حالة الفوز طبعا، أو تعذيب الذات إلى حد الاغتيال المعنوى فى حالة الهزيمة.
وما إن خسرنا مباراة أمريكا حتى داهمتنا تحليلات وتنظيرات يزعم أصحابها أنهم كانوا متأكدين من عدم قدرتنا على مواصلة المشوار، لأن المرور مرتبك والخدمات الصحية ليست على مايرام والتعليم متدهور ونسبة البطالة مرتفعة والناس تسكن العشوائيات، مع أن دولا عظمى فى كرة القدم مثل البرازيل والأرجنتين وكولومبيا تعانى مما نعانى.
ليس هذا دفاعا عن المنتخب المصرى، فقد كنا نتمنى أن يتواصل أداؤه بنفس الروح الجماعية والإتقان والإبداع التى بدا عليها فى مباراتى إيطاليا والبرازيل، لكنها دعوة إلى أن نضع الأمور فى حجمها الطبيعى، وأن نتوقف عن تحميل الرياضة ــ وكرة القدم تحديدا ــ أعباء تتجاوز دورها ووظيفتها، وإذا كان الإعلام يبالغ فى شحن الجماهير لاستعادة انتماء مفقود بسبب تنامى الإحساس بالفقر وزيادة معدلات البطالة وفقدان الأمل فى المستقبل وغياب الديمقراطية عبر مباراة فى كرة القدم، فإن شعورا بوطأة هذه المنغصات يتبدى فورا عقب الهزيمة، ويتحمل أحد عشر لاعبا عواقب كوارث وجدت معظمها قبل أن يولدوا. رويدا رويدا يا فقهاء الجهامة.