ما بين منع وفرض الحجاب فى أولمبياد باريس ٢٠٢٤ - نادين السيد - بوابة الشروق
الإثنين 16 سبتمبر 2024 10:22 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

ما بين منع وفرض الحجاب فى أولمبياد باريس ٢٠٢٤

نشر فى : الأحد 28 يوليه 2024 - 5:55 م | آخر تحديث : الإثنين 29 يوليه 2024 - 11:29 ص

شهدنا، يوم الجمعة الماضى، افتتاح أكبر حدث رياضى حيث يتجمع خيرة رياضيى ورياضيات العالم فى معظم الألعاب تحت مظلة الأولمبياد المقامة هذه الدورة بعاصمة النور، باريس. ويتجمع الرياضيون والرياضيات تحت الشعار الأوليمبى «أسرع، أعلى، أقوى- مع». لكن بعضا من لاعبات منتخب فرنسا، لن تتحقق لهن آخر كلمة فى الشعار الأوليمبى، فالبعض اجتهدن سنوات عديدة ليصبحن أسرع وأعلى وأقوى، لكن إصرار فرنسا على منع الحجاب فى جميع منتخباتها الوطنية للأسف سيمنع بعض اللاعبات المسلمات من المنافسة.

تتباهى اللجنة الأوليمبية بكون باريس ٢٠٢٤ أول دورة تحقق المساواة بين الجنسين من حيث عدد اللاعبات بالمقارنة بعدد اللاعبين. ولكن أية مساواة تحققت حين توضع لاعبة اجتهدت طوال مشوارها الرياضى المضنى والملىء بالتعب والإصابات والتحديات والمثابرة فى موقف وجب عليها فيه الاختيار بين معتقد دينى راسخ عندها ومرتبط بهويتها، وبين حلم أى رياضى بالوصول إلى الأولمبياد؟ 

أعلنت فرنسا فى سبتمبر الماضى منع لاعباتها من ارتداء الحجاب أثناء اللعب حيث إنهن تعتبرن ممثلات الدولة، ولذا فهن موظفات مدنيات ويتبعن مبادئ الحيادية والعلمانية الفرنسية التى تمنع ارتداء أى شعار دينى فى المناسبات الرسمية، وحين تمثلن فرنسا بشكل أو بآخر. وقامت العديد من الجهات والمنظمات الحقوقية بانتقاد القرار واعتباره تمييزا جنسيا ودينيا ضد اللاعبات، خاصة لعدم وجود لوائح أوليمبية تمنعه فى معظم الرياضات.

جاء هذا القرار منافيا أيضا لميثاق الأولمبياد الذى يكفل لكل فرد ممارسة الرياضة بدون تمييز من أى نوع سواء دينى أو جنسى مع مراعاة حقوق الإنسان المعترف بها عالميا. 

لكن الحكومة الفرنسية لم ترضخ للضغوطات، ولذا قامت منظمة العفو الدولية بإصدار تقرير شديد اللهجة يوم ١٦ يوليو الحالى يتهم فرنسا بالنفاق التمييزى والتمييز العرقى والجنسى. 

بالرغم من كل ذلك، لم يتحرك للجنة الأوليمبية ساكن لرفض حصار فرنسا على اللاعبات المحجبات، وأغفل الجميع أن الحجاب بالنسبة لمرتدياته ليس مجرد مظهر أو رمز دينى ــ مثله مثل سلسلة عليها صليب أو كلمة الله ــ ستتمكن اللاعبة من خلعه بسهولة أثناء اللعب وبدون الإخلال بمعتقداتها. أغفلت أيضا تاريخ العلمانية والحياد الذى جاء فى الأصل ردا وثورة على مزج الدين بالدولة واستخدام الدين لفرض سلطة الحاكم.

فمن الصعب أن أتخيل كيف يهدد وجود لاعبة محجبة وسط أى فريق فصل الدولة عن الدين، أو كيف يمهد بفرض سيطرة أى دين على الحكم؟! بل بالعكس، فوجود لاعبة محجبة بجانب لاعبة مرتدية البيكينى يرسخ للبنات والآنسات والسيدات حرية الاختيار وأنها وحدها حرة فى جسدها ولها وحدها حرية اختيار إلى أى مدى ترغب فى تغطيته. منتهى الحرية هو ترك الخيار لكل فرد وعدم فرض أى فكر أو عقائد عليه، ليضمن حرية الفرد فى جسده. 

فما الفرق هنا بين بلد مثل فرنسا منعت لاعبات أفنوا عمرهن فى إعلاء اسم بلدهن من ممارسة حقهن فى تغطية رأسهن، وبين بلد مثل إيران أجبرت لاعباتها على ارتداء الحجاب؟ كلتا البلدين أعطت نفسها الحق فى التحكم فى أجساد ورءوس رعاياها. كلاهما قمع حرية شخصية، ولكن واحدة تحت شعار العلمانية والأخرى تحت شعار الدين.

المشكلة لا تقتصر على فرنسا أو غيرها، المشكلة فى الأصل هى النظر إلى المرأة فى كثير من الأحيان على أنها كائن جنسى ينحصر فى جسد يجب على السلطة التحكم فى تغطيته أو كشفه للحفاظ على قيم المجتمع المحافظة أو الليبرالية.

منذ ثلاثة أعوام تقريبا نشرت أول مقال لى بجريدة الشروق، وكان عن معلق رياضى أسهب فى الحديث عن بياض أسنان سيمون بايلز (وهى أفضل لاعبة جمباز فى التاريخ) وعن جمال الغزال الروسى كما لقبهن، وعن اختيار لون زيهن، ولم يذكر أى إنجازات للاعبات أو أى معلومات تقنية أو حتى تاريخية. فهذا المعلق مثله مثل الحكومة الفرنسية وغيرها من حكومات أو منظمات أو أشخاص اعتبرت شكل المرأة ولباسها وجسدها مهمتها وشاغلها، وأخذوا على عاتقهم أهمية ومسئولية تغطيته باسم الدين أو كشفه باسم الليبرالية.

تناسى الجميع أن المرأة كائن حر وناضج وله كل الحق فى اختيار التغطية من عدمها، وأن إجبارها على التغطية مثله مثل إجبارها على الكشف، تعدٍّ سافر على أبسط حقوقها، ولكن واحدا منهما مقبول لأنه آت من دولة عظمى ويوفر للكثير من الغرب حل مريح لعدم تقبل الآخر، والثانى مرفوض لأنه آت من دولة شرقية مسلمة لا يجدون الكثير من الأشياء المشتركة معها. فأسميناها فى حالة كفالة الحرية فى الحياد والعلمانية فى ثوب تقدمى، وفى الحالة الأخرى رجعية وقهرا، فى حين أن الاثنتين تمثلان قمة القهر.

نادين السيد أستاذ مساعد بقسم الإعلام في الجامعة الأمريكية
التعليقات